ج٥ص١٦٨
على دفعه، ونظيره جواب لولا فهو بهذا المعنى الذي لا يعدّ سيئة بل حسنة كما سمعت، ولذا غاير بين العبارة في الهمين، ولم يقل هما وأكد الأوّل دون الثاني وأن لم يكن واقعاً كما اختاره في البحر، وقال لم يقع منه همّ البتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول لقد قارفت الإثم لولا أنّ الله عصمك، ولا تقول إنّ جواب لولا يتقدم عليها، وان لم يقم دليل على امتناعه بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف فيها حتى ذهب الكوفيون، وأعلام البصريين إلى جواز ققدّمه بل تقول هو محذوف لدلالة ما قبله عليه لأنّ المحذوف في الشرط يقدّر من جنس ما قبله، والبرهان ما عنده من العلم الدال على تحريم ما همت به وأنه لا يمكن الهمّ فضلا عن الوقوع فيه هذا هو الذي يجب اعتقاد. ، والحمل عليه، وكلام المصنف رحمه الله راجع إليه كما ستراه فقوله، والهمّ بالشيء قصده، والعزم الخ بناء على أنه ليس مطلق القصد، وان هذا أصله فهو في حقها على حقيقته، وأمّا في حقه فبمعنى آخر، وقوله أمضاه أي فعله. قوله :( والمر! بهمه ميل الطبع الخ ) مبني على الطريقة الأولى المثبتة للهم له وجعله بمعنى الميل الطييعى كميل الصائم للماء البارد وما فسر به الهم فبله إن كان حقيقة كما هو الظاهر من كلامه فإطلاقه على هذا استعارة أو مشاكلة أو من مجاز المشارفة. قوله :( أو مشارفة الهم كقولك كعلتة لو لم أخف الله ) هذا على إثبات الهم له وتاويله بالقرب من الهم كما في المثال المذكور إذا قصد بقتلته شارفت قتله بضرب أو نحوه، وقد مرّ له جواب آخر فلا يرد عليه ما قيل إنه ما الموجب لإخراج قتلته عن حقيقته فإنه دليل الجواب إذ لم نجوّز تقديمه ولو للامتناع فالمعنى امتناع القتل لامتناع عدم الخوف منه تعالى، وهو معنى صحيح إذ المناقشة في التمثيل ليست دأب أرباب التحصيل، وقيل معنى همت به، وهمّ بها أنها اشتهته، واشتهاها، وإنه أحسن الوجوه. قوله :( في قبح الزنا وسوء مغبته الخ ) المغبة بفتح الميم، والغبن العاقبة، وقوله لخالطها هو الجواب المقدر للولا بدلالة ما قبله لأنّ الهم من لوازم المخالطة، والشبق،
والغلمة بالضم شد الشهوة، وهذا منفي عنه لدخوله في حيز لولا لكن كان التعبير بغيره أولى، وأنسب بسلوك طريق الأدب، والظاهر أنّ مراده لشبق غلمة زليخا ومبالغتها في مراودته التي تدعو إلى مخالطته لولا أن رأى برهان ربه، وهو ما علمه من تحريمه لما ذكر، وقوله ولا يجوز تقدم أنّ النحاة أكثرهم جوّزه، وقوله في حكم أدوات الشرط أي الجازمة. قوله :( بل الجواب محذوف يدل عليه ) وهو قوله لخالطها كما قررناه لك لا إنه مقدر بغير المذكور كما توهم حتى يرد عليه ما قيل عليه إنه حينئذ لا يحتاج إلى تقدير خالطها في مقام الجواب، ولا يحتاج إلى إخراج الهم عن معناه وارتكاب المجاز كما اختاره. أو تقدير الكلام على هذا لولا أن رأي برهان ربه لقصد مخالطتها وعزم عليها، والمذكور قبل الشرط إنما أتى به ليكون دليلا على الجواب المحذوف لا أنه مقصود بالإفادة في الكلام. قوله :( وقيل وأى جبريل عليه الصلاة والسلام الخ ) هذا مع ما في القصص ونحوه مما لا يليق ذكره، وتركه أحسن منه كله مما لا أصل له والنص ناطق بخلافه. قوله :( أي مثل ذلك التثبيث الخ ) يعني أنه في محل نصب صفة مصدر فعل محذوف، وذلك إشارة إلى المصدر أو خبر مبتدأ مقدر وفيه وجوه أخر، وقوله إنه من عبادنا المخلصين قيل فيه إنّ كل من له دخل في هذه القصة شهد ببراءته فشهد الله تعالى بقوله لنصرف الخ. وشهد هو على نفسه بقوله :﴿ هِيَ رَاوَدَتْنِي ﴾ ونحوه، وشهدت زليخا بقولها :﴿ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ ﴾ وسيدها بقوله :﴿ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾ وابليس بقوله :﴿ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ فتضمن إخباره بأنه لم يغوه ومع هذا كله لم يبرئه أهل القصص فكان كما قيل :
وكنت فتى من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي
وقوله إذا كان في أوّله الألف واللام هذا التخصيص ينافي ما ذكره في سورة مريم في
قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا اً ﴾ [ سورة مريم، الآية : ٥١ ] وهو المصرح به في القرا آت، وأخلصهم الله لطاعته أي اختارهم. قوله :( تسابقاً إلى الباب ) أي قصد كل سبق الآخر إلى الباب فيوسف عليه الصلاة والسلام ليخرج، وهي لتمنعه