ج٥ص١٧٠
ماشطة إبنة فرعون لما أسلمت أخبرته ابنته بإسلامها فأمر بإلقائها وأولادها في البقرة التي اتخذها من نحاس تحمى، ويعذب بها من أسلم فلما بلغت النوبة آخر أولادها، وكان مرضعاً قال اصبري يا أمّاه فإنك على الحق ( ٢ ) فقوله ماشطة فرعون الإضافة لأدنى ملابسة. قوله :( وصاحب جريج ) بجيمين مصغر كان عابدا يعبد الله في صومعة فقالت بغيّ منهم أنا أفتنه فتعرّضت له فلم يلتفت إليها فمكنت من نفسها راعي غنم كان يأوي إلى صومعته فلما ولدت منه غلاما قالت هو من جريج فضربوه، وهدموا صومعته فصلى ودعا
وانصرف إلى الغلام فوكزه، وقال له بالله يا غلائم سير! أبوك فقال أنا ابن الراعي. قوله :( وإنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها الخ ) تعبيره بإلقاء الشهادة لكونه صبياً لا يتعمدها فما قيل إنّ الأولى أن يذكره بعد قوله ابن عمها لاختصاصه بشهادة الرجل فإنّ شهادة الصبيّ حجة قاطعة لا فرق فيها بين الأقارب وغيرهم بخلاف الرجل فإنّ ظاهر القريب الشهادة لقريبه لا عليه، ولا يخفى ما فيه، وهو مبنيّ على جعك القيد للثاني، والقريب مطلقاً أقوى بلا شبهة فتدبر. قوله :( لأنه يدل على أتها قذّت الخ ) وفي الكشاف دلالة قد الدبر على كذبها لأنها تبعته، وجذبت ثوبه فقدته، ودلالة قد القبل على صدقها من وجهين إنه تبعها، وهي دافعته عن نفسها فقدت قميصه من قدامه بالدفع أو أنه أسرع خلفها ليلحقها فتعثر في مقادم قميصه فشقه، واعترض عليه بأنه يمكن مثله في اتباعها له بل هذا أظهر لأنّ الموجب للقد غالباً الجذب لا الدفع، وقيل إنه من قبيل المسامحة في أحد شقي الكلام لتعين الآخر بتنزيل المحتمل منزلة الظاهر لأنّ الشق بالجذب في هذا الشق أيضاً محتمل، وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى غفلة عنه، وقيل أيضا في دلالة الإمارتين على ذلك نظر إمّ دلالة قد القميص! من دبره على كذبها فلجواز أنه قصدها فغضبت عليه وأرادت ضربه ففرّ منها فتبعته، وجذبته للضرب فقدّت قميصه من دبر، وهي صادقة، وأمّا قد القيل فمعارض بمثله لأنّ الخرق بالدفع معارض! بالخرق يالجذب من خلف جذبا عنيفا ينخرق به من قذامه، ولأنه ربما تعثر في الفرار فانقد قميصه من قذامه فالعثار في الاتباع معارض بالعثار في الفرار، ودفع بأن هذه الاحتمالات لا تضرّ في شهادة الشاهد على براءته لأنه متعين الصدق في نفسه، ومجرّد الاحتمال غير قادح فيه وكان ما علم من نزاهته، وحالها دافعاً لهذه الاحتمالات، وقيل الحق أنّ الشاهد إن كان صبيا في المهد فالبراءة بمجزد كلامه، وتعيين ما عينه من غير نظر في الإمارة المذكورة تذعن لحاله، وان كان رجلا من أهلها أو من غيرهم كالحكيم فمراده تصديق يوسف عليه الصلاة والسلام، وتكذيبها لما شاهده لكن لم يرد فضاحتها بذا، والحاصل أنه لو شهد من غير ذكر إمارة، وقال رأيته فرّ منها، وهي تبعته، وجذبت قميصه فانقدّ من دبره لصدق لكنه ذكر امارات تلويحا لما رآه ستراً عليها فتأمّله. قوله :( والشرطية محكية على إرادة القول الخ ) يعني أن الشرطية مضمونها هو المشهود به، ولكنها في اللفظ كيف تتعلق به فقال إنه على تقدير القول أي فشهد فقال أو قائلا إن كان الخ. أو الشهادة لما كانت في معنى القول جاز أن تعمل في الجمل، وهو جار في كل ما شابهه، هما قولان لنحاة البصرة، والكوفة، وقوله وتسميتها شهادة لأنها أدّت مؤدّاها دفع لما يقال إنه أمر معلق على شرط، وليس تعيينا حتى يكون شهادة به بأنه دل على صدقه فكان في معنى
الشهادة له. قوله :( والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم الخ ) هذا مبنيّ على إن كان قوية في الدلالة على الزمان فحرف الشرط لا يقلب ماضيها مستقبلا، والا فكل ماض! دخل عليه الشرط قلبه مستقبلا من غير حاجة إلى التأويل نحو إن قام زيد قام عمر، وفعلى هذا القول كونه كذلك، وكذلك جعله إمارة صدقها أو كذبها، والجزأن على كونه كذلك، والمعلق عليه من الصدق والكذب واقعان فأوّل بمعنى حدوث العلم أي أن يعلم أو يظهر أنه كذلك فقد ظهر الصدق أو الكذب قال في الكشف، وهذا بين، وفيه إنك جعلت ما لا يعرف كونه كأنه ليس بكائن، وفيه دقة فكأنه يريد أنه ليس من باب التقدير لتكلفه، ولا التجوّز في كان يجعلها بمعنى علم لأنه يعود على المدعي بالنقض بل يبقى على حاله وينزل استقبال علمه منزلة استقباله لما بينهما من التلازم كما قيل أي شيء يخفى فقيل ما لا يكون فتدبره.


الصفحة التالية
Icon