ج٥ص١٧٧
مطابق ظاهرا فبين أنه أراد أن يعرض عليهما التوحيد لاقتراضه عليه، وجعل العلم بما ذكر مقدّمة له ووسيلة لتخليصه لما أراد كالتخلصات المعروفة عندهم أي كأنّ يوسف عليه الصلاة والسلام أراد بقوله هذا الذي قدّمه
على جواب سؤالهما. قوله :( أن يسعف إلى ما سألاه ) أي يساعد، وهو يتعدى بالباء فعداه بإلى لتضمينه معنى التوجه، والقصد إليه. قوله :( أي ذلك التأويل ) المراد بالتأوبل كشفه عن الطعام قبل مجيته لأنه لما ذكره لهما قالا له هذا كهانة أي سحراً وتنجيم أي استخراج له بما علم من علم النجوم فقال لا بل هو مما علمني الله بوحيه، والهامه. قوله :( تعليل لما قبله الخ ) أي هذه الجملة مسوقة لبيان علة تعليم الله له بالوحي، والإلهام أي خصني بذلك لترك الكفر، وسلوك طريق آبائي المرسلين، وقوله أو كلام مبتدأ أي مستأنف أي الجملة الأولى ذكرت تمهيداً للدعوة، والثانية إظهاراً لما ذكر لتقوى الرغبة فيه، وقوله والوثوق عليه ضمنه معنى الاعتماد، ولذا عداه بعلى دون الباء أي الاعتماد عليه. قوله :( وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم ) أي تكريرهم مع إمكان أداء المعنى بقوله، وبالآخرة كافرون أو الاكتفاء بذكره مرّة واحدة يريد أنّ ضمير الفصل، وهو الثاني بناء على مذهب الزمخشري من عدم اشتراط تعريف الخبر معه لتخصيص الكفر بهم دون الكنعانيين، والأوّل لتأكيد كفرهم بتكرر الإسناد، وقال أبو حيان للدلالة على أنهم خصوصآ كافرون بالآخرة وغيرهم مؤمنون بها، وليست هم عندنا تدل على الخصوص قال المعرب لم يقل الزمخشري إن هم تدل على الخصوص، وإنما قال التكرير يدل على الخصوص، وهو معنى حسن عند أهل البيان اهـ ( أقول ) هذا عجيب منهما فإنّ هم إذا لم تفد تخصيصا عند أبي حيان فكيف قال إنهم خصوصاً كافرون، والتكرار إنما يفيد التأكيد فمن أين ما يفيد التخصيص فالصواب أنه من ضمير الفصل، والتقديم فإن قلت قول القاضي تعليل أو كلام مبتدأ وقول المعرب إنه على الوجهين لا محل للجملة ما وجهه قلت التعليل استئناف بيانيّ إلا أنّ عبارة المصنف رحمه الله تعالى مغلقة فاعرفه، وقوله إني تركت أي أظهرت الترك فلا يلزم اتصافه بذلك. قوله :( ما صح لنا معشر الأنبياء ( خصه بهم مع أنه لا يصح من غيرهم أيضا لأنه يثبت بالطريق الأولى أو المراد نفي الوقوع منهم لعصمتهم، وقوله أيّ شيء كان يعني أنّ من زائدة في المفعول به لتأكيد العموم أي لا نشرك به شيئا من الأشياء قليلا أو حقيراً صنماً أو ملكا أو جنيا أو غير ذلك. قوله :( ذلك أي التوحيد ) جعل المشار إليه التوحيد المأخوذ من
نفي صحة الشرك لقربه قال الزمخشري : ذلك التوحيد من فضل الله علينا، وعلى الناس أي على الرسل، وعلى المرسل إليهم لأنهم نبهوهم عليه، وأرشدوهيم إليه ولكن أكثر الناس المبعوث إليهم لا يشكرون فضل اللّه فيشركون، ولا يتنبهون، وقيل إن ذلك من فضل الله علينا لأنه نصب لنا الأدلة التي ننظر فيها ونستدلّ بها، وقد نصب مثل تلك الأدلة لسائر الناس من غير تفاوت، ولكن أكثر الناس لا ينظرون، ولا يستدلون اتباعا لإهوائهم فيبقون كافرين غير شاكرين ففضل الله على هذا عقليّ، وعلى الأوّل سمعي، وحاصله أنّ ذلك المراد به التوحيد، وكونه مبتدأ من فضل اللّه لأن من ابتدائية على أنّ المراد به إمّا الوحي بأقسامه أو نصب الدلائل العقلية، وانزال المعجزات الملزمة عقلاً فعلى الأوّل معنى كون أكثر المبعوث إليهم غير شاكرين أنهم غير متبعين لهم، وعلى الثاني أنهم غير ناظرين للأدلة، ولا مصدقين بالمعجزات الباهرة فتضمن ذلك جعل بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لإرشاد الكافرين، وتثبيت المؤمنين، ونصب الدلائل، واقامة المعجزة نعمة مسوقة لهم، وعدم الاتباع كفرانا بها بعد ما حق عليهم شكرها، واليه أشار المصنف بقوله كمن يكفر الخ فلا مخالفة بين كلام الشيخين فلا غبار عليه كما توهم بعض الناظرين فأثار العجاج دون قتال، ولا غنيمة. قوله :( يا ساكنيه أو صاحبئ فيه الخ ) يعني جعلهما صاحبي السجن، وصاحبه الملك أو السجان إمّا على أنّ الصحبة بمعنى السكنى كما يقال أصحاب النار لملازمتهم لها أو المراد صاحبيّ فيه فجعل الظرف توسعاً مفعولاً به كسارق الليل ولما ذكر ما هو عليه من الدين القويم تلطف في الاستدلال على بطلان ما عليه قومهما من عبادة الأصنام فوصفهما بالصحبة الضرورية المقتضية للموذة، وبذل النصيحة، وان كانت تلك الصحبة كما قلت :


الصفحة التالية
Icon