ج٥ص١٨٢
الحلم عند العرب يستعمل استعمال الرؤيا، والتفريق من الاصطلاحات التي ستها
الشارع للفصل بين الحق، والباطل كأنه كره أن يسمى ما كان من الله، وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الرؤيا عبارة عن الصالح منها لما في الرؤيا من الدلالة على المشاهدة بالبصر أو البصيرة، وجعل الحلم عبارة عما كان من الشيطان لأنّ أصل الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحالم في منامه من قضاء الشهوة مما لا حقيقة له وفي كتاب الأحكام للجصاص هذه الرؤيا كانت صحيحة لا أضغاثاً لتعبير يوسف عليه الصلاة والسلام لها بالخصب، والجدب، وهذا يبطل قول من يقول إن الرؤيا تقع على أوّل ما تعبر به لأنهم قالوا إنها أضغاث أحلام، ولم تكن كذلك فدل على فساد القول بأنها على جناح طائر إذا فسرت وقعت ا هـ، وفيه نظر لما رواه أبو داود، وابن ماجه عن أبي رزين :" الرؤيا على جناج طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت ولا تقصها إلا على واذ أو ذي رأي " ا هـ فتفسيره بما ذكر لأنه مخصوص به في عرف الشرع، وقيل لما كان المناسب لما تقدم في الجواب أن يقال، وما نحن بتأويل الأضغاث بعالمين حتى يكون عذراً لهم في جهلهم بتأويلها كأنه قيل هذه رؤيا باطلة، وكل رؤيا كذلك لا يعلم تأويلها أي لا تأويل لها حتى نعلمه على حذ قوله :
علي لا حب لا يهتدي بمناره
حمل تعريف الأحلام على العهد، وقوله كأنه مقدمة أي كبرى للقياس الذي ذكرناه، ولم يجعله للجنس كما في الكشاف حتى يكون المعنى على نفي علمهم بتأويل المنامات لئلا يضيع قوله أضغاث أحلام إذ لا دخل له في ألعذر إلا أن يقال المقصود إزالة خوف الملك من تلك الرؤيا وقد يجعل هذا جوابا مستقلاً، والحاصل أنه يحتمل أن يكون نفيا للعلم بالرؤيا مطلقأ، وأن يكون نفيا للعلم بتأويل الأضغاث منها خاصة. قوله :( وتذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد جماعة من الزمان الخ ( يعني أنّ أمة بلفظها المعروف بمعنى مذة، وطائفة من الزمان، وان غلب استعماله في الناس، وقرأ العقيلي أمة بكسر الهمزة، وتشديد الميم، ومعناها نعمة بعد نعمة، وهو خلاصه من القتل، والسجن، وانعام ملكه عليه كقوله :
ثم بعدالفلاح والملك والأفة وارتهم هناك القبور
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره أمه بفتح الهمزة والميم المخففة وهاء منونة من
الأمة، وهو النسيان وروي عن مجاهد وعكرمة في هذه سكون الميم فلا عبرة بمن أنكرها. قوله :. ( والجملة اعتراض ) أقي / جمملة وادّكر أي تذكر، وهذا هو الظاهر، وجوّز فيها الحالية بتقدير قد والعطف على الصلة، وتذكره ليوسف عليه الصلاة والصلام تذكر علمه بالرؤيا أو ما وصاه به من قوله اذكرني عند ربك، وقيل إنه لم يذكره مخافة عليه لدينه، وهو مخالف للظاهر، وهذا مناسب لأحد الوجهين في قوله فأنساه الشيطان كما مرّ. قوله :( أنا أنبئكم بتأويله ) أي / أخبركم بمن عنده تأويله أو أثلكم عليه أو أخبركم إذا سألته عنه، وقوله وعرف صدقه هذا يدل على أنهما لم يكذبا على يوسف في منامهما، وأنهما كذبا في قولهما كذبنا إن ثبت، ولا يقال صديق إلا لمن شوهد منه الصدق مراراً لأنه صيغة مبالغة، وقوله أفتنا في سبع الخ. لم يغير لفظ الملك لأنّ التعبير يكون على وفقه كما بينوه، وقوله إذ قيل الخ تعليل للوجه الثاني، وقوله تأويلها الخ الأوّل يناسب الوجه الأوّل في تفسير تذكره، والثاني الثاني، ومكانك مجاز بمعنى قدرك، ، ورفعتك عند اللّه. قوله :) وإنما لم يبت الكلام ) أي لم يقطع به بل قال لعلي، ولعلهم لما ذكر، واخترم بصيغة المجهول من اخترمه الموت إذا قطع عمره مفاجأة، وقوله جازماً من الرجوع أي واثقا منه، وقيل إنه لما رأى عجز الناس خاف عجزه أيضاً وعدم وثوقه بعلمهم إمّا لعدم فهمهم أو لعدم اعتمادهم. قوله :( أي على عادتكم المستمرّة الخ ) أصل معنى الدأب التعب، ويكنى به عن العادة المستمرّة لأنها تنشأ من مدإومة العمل اللازم له التعب فهو إمّ حال بمعنى دائبين أو ذوي دأب، وأفرد لأنّ المصدر الأصل فيه الأفراد أو مفعول مطلق لفعل مقدر، وجملته حالية أيضا. قوله :( وقيل تزرعون أمر الخ ) وفي نسخة قيل بدون الواو، والظاهر الأوّل لأنه عطف على ما قبله بحمسب المعنى لأنه في قوّة، وهو خبر، وعلى هذه فهو مستأنف، ولا بعد فيه أيضا، والدال على أنه خبر لفظا، ومعنى قوله على عادتكم الخ فإن المعتاد لا يحتاج إلى الأمر به، وقائله الزمخشريّ، ووجه المبالغة فيه


الصفحة التالية
Icon