ج٥ص١٩٤
المصوغ. قوله :) جعلا له ( الجعل بالضم ما يعطى للشخص في مقابلة عمله، والجعالة بتثليث الجيم الشيء الذي يعطى، ومعنى لمن جاء به من دل على سارقه، وفضحه أو من أتى به مطلقا، ولو كان السارق نفسه، ويناسبه قول المصنف رحمه الله أؤذيه إلى من رذه، وهو بمهمزتين بمعنى أعطيه من الأداء، وليس فيه أنّ الرّاد له هو من علم أنه سرقة حتى يقال إنه دفع لما قيل إنه لا يحل للسارق أن يأخذ شيئاً على رذ السرقة فلعله جائز في ديتهم.
قوله :) وفيه دليل على جوارّ الجعالة وضمان الجعل قبل تمام العمل ( استدل بهذه الآية
عاقة مشايخنا رحمهم الله على جواز تعليق الكفالة بالشروط كما في الهداية، وشروحها لأنّ مناديه علق الالتزام بالكفالة بسبب وجوب المال، وهو المجيء بصواع الملك، ونداؤه بأمر يوسف، وشريعة من قبلنا شريعة لنا إذا مضت من غير إنكار، وأورد عليه أمران أحدهما ما قاله بعض الشافعية من أن هذه الآية محمولة على الجعالة لمن يأتي به لا لبيان الكفالة قهو كقول من أبق عبده من جاء به فله عشرة دراهم فلا يكون كفالة لأن الكفالة إنما تكون إذا التزم عن غيره، وهنا قد التزم عن نفسه الثاني أنّ الآية متروكة الظاهر لأنّ فيها جهالة المكفول له، وهي تبطل الكفالة، وأجيب عن الأؤل بأنّ الزعم حقيقة في الكفالة، العمل بها مهما أمكن واجب فكان معناه قول المنادي للغير أنّ الملك قال لمن جاء به حمل بعير، وأنا به زعيم فيكون ضامنا عن الملك لا عن نفسه فتتحقق حقيقة الكفالة، وعن الثاني بأنّ في الآية ذكر أمرين الكفالة مع الجهالة للمكفول له، واضافتها إلى سبب الوجوب، وعدم جواز أحدهما بدليل لا يستلزم عدم جواز الآخر، وقال السكاكي إنه كان مستأجراً والمستأجر ضامن الأجرة سواء كان أصلا أم كفيلاً، وإذا كان ضامنا عن نفسه بحكم عقد الإجارة لا يكون كفيلا إذ الكفيل معناه من يكون ضامنا عن الغير فمعنى قوله أنا به زعيم أنا ضامن الأجر بحكم الإجارة لا بحكم الكفالة، وكذا قال الجصاص في كتاب الأحكام روي عن عطاء الخراساني زعيم بمعنى كفيل فظن بعض
الناس أنّ ذلك كفالة إنسان، وليس كذلك، وذلك لأنّ قائله جعل حمل بعير أجرة لمن جاء بالصاع وأكده بقوله، وأنا به زعيم أي ضامن فألزم نفسه ضمان الأجرة لرذ الصاع، وهذا أصل في جواز قول القائل من حمل هذا المتاع لموضع كذا فله درهم، وإنه إجارة جائزة وان لم يشارط رجلا بعينه، وكذا قال محمد بن الحسن في السير الكبير وفيه دلالة على صحة هذه الإجارة وان لم يقاوله باللسان، وكان حمل البعير قدراً معلوما فلا يقال إن الإجارة لا تصح إلا بأجر معلوم فإن قلت هذا يدل على الالتزام دون اللزوم، والنزاع إنما هو فيه قلت لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى اللزوم في الجعالة بل الجواز فيها، وفي الضمان أيضاً فإن دل الضمان على لزوم ما ضمنه فهو مصرّح به في النظم لأنّ زعيم بمعنى كفيل، والكفالة ضمان فتأمّل، وفيه رذ على من قال الكفالة قبل لزوم الحق غير صحيحة. قوله :( قسم فيه معنى التعجب ) أي تعجبوا من رميهم بما ذكر مع ما شاهدوه من حالهم، والتاء بدل من الباء والمشهور أنها بدل من الواو وقيل إنها أصلية، وقال الزمخشري : في غير هذا المحل الواو بدل من الباء، والتاء بدل من الواو، ويكثر استعمالها في التعجب نحو تالله تفتؤ، واختصاصها بالجلالة غير مسلم لدخولها على رلت مطلقا أو مضافا للكعبة وعلى الرحمن، وقالوا تحياتك فلعله باعتبار المقيس، واكثر. قوله :( اسش!هدوا بعلمهم على براءة أنفسهم الخ ) يعني أن الكلام ليس على ظاهره باًن يحلفوا على علمهم بذلك لأنه غير معلوم لهم بل المراد بذكر علمهم الاستشهاد، وتأكيد الكلام، ولذا أجرته العرب مجرى القسم كقوله :
ولقدعلمت لتأتين منيتي إنّ المنايالاتطيش سهامها
وأنّ قوله ما كنا سارقين هو الجواب للقسم في الحقيقة لأنّ الظاهر أن حلفهم على فعلهم
لا على علم الغير وفعله فيكونون أقسموا على شيئين نفي الفساد ونفي السرقة، وقوله ما جئنا يجوز أن يكون متعلق العلم وأن يكون جواب القسم أو جواب العلم لتضمته معناه كما ذكرنا، وكعم بفتح الكاف، وسكون العين المهملة ربط فمها لئلا تعض أو تأكل وقريب منه العكم للشد، ومنه العكام وكانوا يفعلون ذلك إذا دخلوا المدينة والسرق بفتح السين المهملة، وفتح الراء وكسرها، وسكونها مصدر بمعنى السرقة. قوله :) فما جزاء السارق )