ج٥ص١٩٦
المكر، والكيد، والخديعة إن توهم غيرك خلاف ما تخفيه، وتريده، وهو على الله تعالى محال فهو محمول على التمثيل كان صورة صنع الله في تعليمه يوسف عليه الصلاة والسلام أن لا يحكم بحكم الملك، ويجري على سنتهم في استعباد السارق صورة الكيد إذ المقصود ليس ٤ظاهره بل إيواء أخيه إليه، وهو لا يتم إلا بهذا ولما كان قوله ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك هو عين ذلك الكيد جعله تفسيراً له مع ما بعده، وقيل إنّ في الكيد إسنادين بالفحوى إلى يوسف عليه الصلاة والسلام، وبالتصريح إلى الله تعالى، والأوّل حقيقيّ والثاني مجازيّ، والمعنى فعلنا كيد يوسف أو يحتمل أن يكون مجازا لغويا، والمعنى علمناه الكيد أو دبرناه أو صنعناه له. قوله :( أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك ( بأن تدين بدين يعقوب عليه الصلاة والسلام، والمراد ما كانوا يتدينون به بكون الله أذن له فيما ذكر لا بجعله من دين الملك كما توهم، ولعله كان يوحى إليه ما يطابق دينهم وإلا فالنبيّ ﷺ لا يجوز له العمل بما يدين به الكافر، ولذا قيل إلا أن يشاء الله المراد به التأبيد أي ما كان ليأخذه في دين الملك أبداً لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجل من الاتصاف بالحكم بدين الكفار فهذا كقوله :﴿ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٨٩ ]. قوله :( فالاستثناء من أعئم الآحوال ) أي ما كان ليأخذه في حال من الأحوال إلا في حال مشيئة الله وقد
تقدم الكلام فيه قريبا، وتحقيقه فتذكره. قوله :( ويجوز أن يكون منقطعا ) أي لكن أخذه له بمشيئة الله وإذنه، وان لم يكن على دين الملك إذ لم يخالفه فيه أحد لتخييره لهم، وعلى الأوّل فهو متصل، ومن قال يمكن اتصاله على هذا فقد وهم فتدبر، وقوله كما رفعنا درجته أي درجة يوسف عليه الصلاة والسلام، ومرتبته على إخوته، وقوله أرفع درجة منه أي أعلم مأخوذ من قوله فوق وصيغة عليم. قوله :) واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته ) أي لا بصفة علم زائدة على الذات، وهم المعتزلة ومن حذا حذوهم في أنّ الصفات عين الذات كما بين في الأصول، وحاصل استدلالهم أنه لو كان له صفة علم زائدة على ذاته كان ذا علم أي صاحب علم لاتصافه به، وكل ذي علم فوقه عليم فيلزم أن يكون فوقه، واعلم منه عليم آخر، وهو باطل والجواب عنه بمنع الملازمة وأنّ المراد بكل ذي علم المخلوقات ذوي العلم العقلاء لأن الكلام في الخلق لا في الله وهذا إثبات لسند المنع وقوله ولأنّ العليم هو الله يعني أنه صيغة مبالغة معناها أعلم من كل ذي علم فتعين أنّ المراد به اللّه تعالى فما يقابله يلزم كونه من الخلائق لئلا يدخل فيما يقابله. قوله :( ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا فوق كل العلماء عليم وهو مخصوص ( وجه آخر للتخصيص، وفيه جواب بطريق النقض بأنه لو صح ما ذكره المستدل لم يكن الله عالما لاتفاقهم معنا في صحة هذا المثال فيلزم على تسليم دليله إذا كان اللّه عالما أن يكون نرقه من هو أعلم منه فإن أجابوا بتخصيصه فالاية مثله، وهذا إنما يتم إذا كان هذا المثال مسلما عندهم كذا قيل، ويدفعه أنّ الزمخشري فسره بهذا، وذهب إلى ما ذكر فألزمه بهذا. قوله :) أن يسرق فقد سرق أخ له ( أتوا بكلمة أن لعدم تحققهم له بمجرّد خروج السقاية من رحله، وقد وجدوا بضاعتهم قبل في رحالهم، ولم يكونوا سارقين، وأمّا قولهم إن ابنك سرق فبناء على الظاهر، ومدعي القوم، ويسرق لحكاية الحال الماضية، والمعنى إن كان سرق فليس ببدع
لسبق مثله من أخيه، والعرق نزاع، وقيل إنهم جزموا بذلك، وان لمجرّد الشرط، وقوله من أبيها يعني إسحق عليه الصلاة والسلام، والمنطقة بكسر الميم ما يتنطق به أي يشذ في الوسط، وتحضن بمعنى أنه في حضانتها عندها، ومحزومة بالحاء المهملة، والزاي المعجمة أي مشدودة، وشب بمعنى كبر وصار شاباً مستغنياً عن الحضانة، والعناق بفتح العين المهملة أنثى المعز وألقاه في الجيف أي على المزبلة، وقيل إنّ ما أعطاه السائل بيضة، وقوله فأعطى السائل أي أعطاها له، واعلم أن ما ذكر في تفسير أن يسرق تبع فيه غيره، وفي البحر لابن المنير رحمه الله أنه تكلف لا يسوغ نسبة مثله إلى بيت النبوّة بل ولا إلى أحد من الأشراف فالواجب تركه، واليه ذهب مكيّ، وفسره بعضهم بأن يسرق فقد سرق مثله من بني آدم، وذكر له نظائر في الحديث، وهو كلام حقيق بالقبول. قوله :) والضمير للإجابة أو المقالة الخ ( يعني الضمير المنصوب المؤنث إمّا للمقالة أو للإجابة أي أضمر إجابتهم أو مقالتهم