ج٥ص٢٢٠
خلاصهم الخ ) يعني هذه الجملة إن نظر إلى ما قبلها، وجعلت وصفا لهم بامتناعهم من الإيمان، واصرارهم على الكفر فهي تشبيه، وتمثيل لحالهم في الدنيا في الإصرار، وعدم الالتفات إلى الحق بحال طائفة في أعناقهم أغلال لا يمكنهم الالتفات كقوله :
كيف الرشاد وقد خلفت في نفر لهم عن الرشد أغلال وأقياد
وان نظر إلى ما بعدها تكون لوصف حالهم في الآخرة إمّا حقيقة، وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى وامّا تشبيهاً لحالهم بحال من يقدم للسياسة. قوله :( وتوسيط الفصل لتخصيص! الخلود بالكفار ) يعني أنّ الخلود هنا على ظاهره لا بمعنى المكث الطويل فالمراد بأصحاب النار الكفار، والخلود مقصور عليهم ولذا وسط الضمير، وأورد عليه أنه ليس ضمير فصل لأنّ شرطه أن يقع بين مبتدأ، وخبر ويكون اسما معرفة أو مثل المعرفة في أنه لا يقبل حرف التعريف كأفعل التفضيل، وهذا ليس كذلك، وقيل في جوابه مراد. بضمير الفصل الضمير المنفصل، وأنه أتى به وجعل الخبر جملة مع أنّ الأصل فيه الإفراد لقصد التخصيص، والحصر كما في هو عارف، ولا يخفى أنه من عناية القاضي، ولو قيل إنّ الزمخشريّ لا يتبع النحاة في اشتراط ما ذكر كما أنّ الجرجاني والسهيلي جوّزاه إذا كان الخبر فعلاً مضارعا واسم الفاعل مثله وقد تبعه المصنف رحمه الله تعالى لكان أقرب. قوله :( بالعقوبة قبل العافية ) يعني أنّ المراد بالسيئة العقوبة التي هدّدوا بها والمراد بالحسنة السلامة منها، والخلاص منها، والمراد بكونها قبل العافية أنّ سؤالها قبل سؤالها أو أنّ سؤالها قبل انقضاء الزمان المقدر لها. قوله تعالى :( ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ ﴾ الخ ) الجملة حالية، ويجوز أن تكون مستأنفة، والمثلات قراءة العامّة فيها فتح الميم وضمّ الثاء جمع مثلة كسمرة وسمرات، وهي العقوبة
الفاضحة، وفسرها ابن عباس رضي الله عنهما بالعقوبة المستأصلة للعضو كقطع الأذن، ونحوه سميت بها لما بين العقاب، والمعاقب عليه من المماثلة كقوله :﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [ سورة الثررى، الآية : ٤٠ ] أو هي مأخوذة من المثال بمعنى القصاص يقال أمثلته وأقصصته بمعنى واحد أو هي من المثل المضروب لعظمها، وقرأ ابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء، وهي لغة أهل الحجاز، وقرأ ابن وثاب بضم الميم وسكون الثاء، وهي لغة تميم، وقرأ الأعمش ومجاهد بفتحهما، وعيسى بن عمر وأبو بكر بضمهما إفا الضم، والإسكان فهي لغة أصلية أو مخففة من مضموم العين، وأفا ضمهما فلغة أصلية، ويحتمل أنه اتبع فيه العين للفاء، وقوله عقوبات أمثالهم العقوبات تفسير للمثلات كما مرّ، وأمثالهم مأخوذ من قوله، وقد خلت من قبلهم، وقوله المثلة بفتح الثاء، وضمها يعني كلاهما لغة فيها، وقوله لأنها مثل المعاقب عليه أي الذنب، وقوله إذا قصصته أي اقتصصت منه، وقوله وقرئ المثلات بالتخفيف أي تسكين الثاء بعد فتح الميم، وهو في الأصل مضموم العين أو مفتوحها أو هي لغة كما مز، وقوله والمثلات أي بضمتين، والثانية أصلية أو حركة اتباع، وقوله اتباع الفاء العين مصدو مضاف لفاعله أو مفعوله، وقوله والمثلات بالتخفيف بعد الاتباع أي بضم الميم، وسكون الثاء تخفيف المثلات بضمتين، ولم يجعله أصليا لأنّ قياسه بالفتح كحجرة، وحجرات، وقوله والمثلات أي بضم الميم وفتح الثاء كركبة وركبات. قوله :( مع ظلمهم أنفسهم ومحله النصب الخ ) أي الجارّ والمجرور حال من الناس والعامل فيها هو العامل في صاحبه وهو المغفرة وهذه الآية ظاهرة في مذهب أهل السنة وهو جواز مغقرة الكبائر، والصغائر بدون توبة لأنه ذكر المغفرة مع الظلم أي الذنب، ولا يكون معه إلا قبل التوبة لأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهم يؤولونها بأنّ المراد مغفرة الصغائر لمجتنب الكبائر أو مغفرتها لمن تاب أو المراد بالمغفرة معناها اللغوي، وهو الستر بالإمهال، وتأخير عقابها إلى الآخرة، ولا يرد عليه أنه تخصيص للعام من غير دليل لأنّ الكفر خص منها بالإجماع فيسري التخصيص إلى ذلك لأنه لو حمل على ظاهره لكان حثا على ارتكابها، وفيه نظر نعم التأويل الأخير في غاية البعد لأنه كما قال الإمام !لا يسمى مثله مغفرة، هالا لصح أن يقال إنّ الكفار مغفورون يعني أنه مخالف للظاهر، ولاستعمال القرآن فلا يتوجه عليه أنّ المغفرة حقيقتها في اللغة الستر، وكونهم مغفورين بمعنى مؤخر عذابهم إلى الآخرة لا محذور فيه