ج٥ص٢٣٣
للتعدية، وقيل إنه كرماه ورمى به وجفاء حال لأنه بمعنى مرمياً والجفال باللام بمعنى الجفاء بالهمز، وهو الزبد المرمى به، وهذه القراءة لرؤبة وكان أبو حاتم رحمه الله لا يقبل قراءته، وقوله للمؤمنين الذين استجابوا ليس تقديراً للموصوف بل بيان لحاصل المعنى، وقوله الاستجابة الحسنى تقدير للموصوف. فوله :) على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين الخ ( شأن الفريقين هو صفتهما وحالهما، وهو الحق والباطل ولهما أي لأهل الحق والباطل، وهم المستجيبون وغيرهم فاللام داخلة على الممثل له لا على المضروب له المثل ولو كان كذلك لقيل للناس أو لقوم يعقلون ولم يفصل هذا التفصيل، قيل : ولك أن تعكس فتجعل المعنى ضرب مثل أهل الحق والباطل ضرب المثل للمؤمنين والكفار على أن يكون المراد بالفريقين أهل الحق والباطل بحذف المضاف، والمضاف إليه كقوله :﴿ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء ﴾ [ سورة البقرة، الآبة : ١٩، أي كمثل ذوي صيب فلفظ الشان ليس إلا لأن ضرب
المثل يكون للشؤون دون الذوات، ويجوز أن يكون قوله ضرب المثل لهما على معنى كضرب المثل لهما ونصبه بنزع الخافض، وفيه تأمّل. فوله :( وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى الخ ) في البحر هذا التفسير أولى لأنّ فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين كما وقع في غير هذه الآية، والله قد ضرب الأمثال في غيرهما، ولأن فيه ذكر ثواب المستجيبين بخلاف الأوّل ولأنّ تقدير الاستجابة الحسنى مشعر بتقييد الاستجابة، ومقابلها بنفي الاستجابة الحسنى لا نفي الاستجابة مطلقا، ولأنه على الأوّل يكون قوله لو أنّ لهم ما في الأرض! كلاماً مفلتا، أو كالفلت إذ يصير المعنى كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين والكافرين لو أنّ لهم إلى آخره، وأيضاً إنه يوهم الاشتراك في الضمير، وان كان تخصيص ذلك بالكافرين معلوما ورذ هذا مع الاعتراف بأنّ هذا الوجه أرجح كما اتفق عليه شراج الكشاف بأنه لا مقتضى للتفسير الأوّل لتقييد الأمثال عموما بمثل هذين ألا ترى قوله تعالى كذلك، ثم إنه يفهم من الأوّل ثواب المستجيبين أيضا ألا ترى القصر المستفاد من تقديم الظرف في قوله لهيم، والإشارة بأولئك إلى علية أوصافهم الخبيثة، وأيضا قوله الحسنى صفة كاشفة لا مفهوم لها فإن الاستجابة لله لا تكون إلا حسنى وكيف يكون قوله لو أن لهم الخ كلاما مفلتا، وقد قالوا إنه استئناف بياني لحال غير المستجيبين، وكيف يتوهم الاشتراك في الضمير مع أنّ اختصاصه بالكافرين معلوم ( قلت ( ما ذكروه متوجه بحسب بادئ الرأي، والنظرة الأولى أمّا إذا نظر بعين الإنصاف بعد تسليم أنه أحسن، وأقوى علم أنّ ما ذكره وارد فإنّ قوله كذلك يقتضي أنّ هذا شأنه، وعادته في ضرب الأمثال فيقتضي إن ما جرت به العادة القرآنية مقيد بهؤلاء، وليس كذلك وما ذكره ولو سلم فهو خلاف الظاهر، وأمّا قوله إنّ ثواب المستجيبين معلوم مما ذكره ففرق بين العلم ضمنا، والعلم صراحة، وأمّا أنّ الصفة مؤكدة أولاً مفهوم لها فخلاف الأصل أيضا، وكون الجملة غير مرتبطة بما قبلها ظاهر، والسؤال عن حال أحد الفريقين مع ذكرهما ملبس وعود الضمير على ما قبله مطلقاً هو المتبادر وما ذكر يدفع الإيهام، وفي شرح الطيبي ما يؤيده فتأمّل، وقوله بأن يحاسب تفسير لمناقشة الحساب المذكور في حديث من نوقش الحساب عذب، وقوله والمخصوص بالذمّ محذوف أي مهادهم أو جهنم. قوله :) قيستجيب ) بالرفع ويستجيب الثاني منصوب في جواب النفي وقوله لا يستبصر أي لا يدرك ما ذكر وفيه إشارة إلى تشبيه الجاهل بالأعمى الذي لا يأمن العثار والوقوع في المهاوي، وتشبيه ضدّه بضده. قوله :( والهمزة لإنكار أن تقع شبهة في تشابههما الخ ) أشار بقوله بعدما ضرب الخ إلى أنّ الفاء للتعقيب في الذكر فالهمزة لإنكار
التعقيب أو لتفريعه عليه ويصح أن تكون لتعقيب الإنكار لأنها مقدمة من تأخير، والتشابه لأن تشبيه شيء بشيء يقتضي شبه الآخر به لا المصطلح. قوله :( المبرأة عن مثايعة ( وفي نسخة متابعة، وهي بمعناها وفيه إشارة إلى الفرق بين اللب والعقل كما ذكره الراغب وغيره فإن لب كل شيء خالصه وخلوص العقل أن لا يتبع ما ألفه ولا وهمه من غير تأقل قال الطيبيّ رحمه الله ولذا علق الله الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب، وقيل إنهما مترادفان والقصد بما ذكر دفع ما يتوهم من أنّ الكفار عقلاء مع


الصفحة التالية
Icon