ج٥ص٢٤٣
مذهب المعتزلة كما يتوهم في بادئ الرأي، ولو فسرا بخلق الضلال، والاهتداء كان أظهر، وأوفق بمذهبنا وقوله يوفقه للهدي إشارة إلى أنّ الهداية بمعنى الدلالة موجودة،
لرانما المنفي الإيصال، وتوفيقه بجعل أفعاله على وفق ما يرضاه الله، وقوله بالقتل، والأسر عقوبة من الله بكفرهم، وأمّا وقوع مثله للمؤمن فعلى طريق الثواب، ورفع الدرجات فلا غبار في كلامه، وكذا سائر المصائب. قوله :( من عذابه أو من رحمته ( من الثانية زائدة للتأكيد، والأولى على تقدير من عذابه سواء كان معناه أو قدر فيه مضاف فلا يلزم تقديم معمول المجرور عليه لأنّ الزائد لا حكم له، وعلى الثاني من الله ظرف مستقر حال من واق وصلته محذوفة، والمعنى ما لهم واق، وحافظ من عذاب الله حال كون ذلك الواقي من جهة الله، ورحمته ومن في من الله للابتداء على الأوّل وللتبيين على الثاني، ومن رحمته على الأوّل يكون من كلام المصنف رحمه الله لبيان ذلك الواقي فتأئل. قوله :( صفتها التي هي مثل في الغرابة الخ ) قال العلامة قد مرّ في البقرة أن المثل له معنى لغوي، وهو الشبيه، ومعنى في عرف اللغة، وهو القول السائر المعروف، ومعنى مجازي، وهو الصفة الغريبة مأخوذا من المعنى العرفي بعلاقة الغرابة لأنّ المثل إنما يسير بين الناس لغرابته، وقال أبو علي في الإغفال تفسير المثل بالصفة غير مستقيم لغة، ولم يوجد فيها، وأكثر المفسرين على خلافه لكنه يحتاج إلى إثبات من كلام العرب ولم يذكروه فمثل الجنة هنا إمّا أن يراد به المعنى أو غيره، وعلى هذا التفسير المراد به معناه المجازي، وحينئذ هو عند سيبويه مبتدأ، وخبره محذوف أي فيما يقص، ويتلى عليكم صفة الجنة، وقوله تجري من تحتها الأنهار جملة مفسرة كخلقه من تراب في قوله تعالى :﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ﴾ [ سورة آل عمران، الآية : ٥٩ ] أو مستأنفة استئنافا بيانيا أو حال كما سيأتي، وهذا هو الوجه السالم من التكلف مع ما فيه من الإيجاز والإجمال والتفصيل واليه ذهب أيضاً في قوله :﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ كما سيأتي تفصيله في سورة النور، وقدر الخبر فيه مقدما لطول ذيل المبتدأ أو لئلا يفصل به بينه، وبين ما يفسره أو ما هو كالمفسر له. قوله :( وقيل خبره تجري من تحتها الأنهار ) على طريقة قولك صفة زيد أسمر الخ فالمثل بالمعنى المجازي، وهذا قول الزجاج واعترض عليه بأنّ المثل بمعنى الصفة لم يثبت وهو وارد على القول الأوّل أيضاً وبأنه غير مستقيم معنى لأنه يقتضي أنّ الأنهار في صفة الجنة، وهي فيها لا في صفتها مع تأنيث الضمير العائد على المثل حملاً على المعنى وأمر التذكير والتأنيث سهل، وأمّا دفع الأوّل بأنه على تأويل أنها تجري فالمعنى مثل الجنة جرياًن الأنهار، وكدّا صفة زيد أسمر المراد السمرة، وأنّ الجملة في تأويل المفرد فلا يعود منها ضمير للمبتدأ أو المراد بالصفة ما يقال فيه هذا إذا وصف فلا حاجة إلى الضمير كما في خبر ضمير الشان وكذا ما قيل إنّ تأنيث الضمير لكونه راجعا إلى الجنة لا إلى المثل، وإنما جاز ذلك لأنّ
المقصود من المضاف عين المضاف إليه وذكره توطئة له وليس نحو غلام زيد فكله كلام ساقط متعسف لأنّ تأويل الجملة بالمصدر من غير حرف سابك شاذ كما في المثل تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، وكذا التأويل بأنه أريد بالصفة لفظها الموصوف به، وليس في الكلام ما يدل عليه، وهو تجوّز على تجوّز ولا يخفى تكلفه، وقياسه على ضمير الشأن قياس مع الفارق، وأنا عود الضمير على المضاف إليه دون المبتدأ فأضعف من بيت العنكبوت ولا أدري ما الداعي إلى ارتكاب مثله. قوله :( أو على حذف موصوف أي مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار ( اعترض على هذا أبو علي الفارسي بأق المثل الشبه، وهو حدث فلا يجوز الإخبار عنه بالجثة، وهي الجنة ورد بأنّ المثل بمعنى المثيل، والشبيه فهو جثة أخبر عنها بمثلها، وقيل إنه غير وارد رأسا، ولا حاجة إلى جعله بمعنى الشبيه لأنّ التشبيه هنا تمثيلي، ووجهه منتزع من عدة أمور من أحوال الجنان المشاهدة من جريان أنهارها، ونضارة أغصانها، والتفاف أفنانها، ونحوه، وهو مراد الزجاج بقوله إنه تعالى عرفنا أمر الجنة التي لم نرها بما شاهدناه في أمور الدنيا، وعايناه، ولذا أتى الزمخشريّ فيه بلفظ التمثيل، ويكون قوله :﴿ كُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا ﴾ بياناً لفضل تلك الجنان، وتميزها عن هذه الجنان المشاهدة وقيل إنّ هذه بيان لحال جنان الدنيا على سبيل الفرض، وانّ فيما ذكره انتشارا واكتفاء في النظير