ج٥ص٢٥٦
لأنّ الرضي صرّح بعدم المنافاة بينهما مبنيّ على قول غير مرضيّ عند المحققين، وكذا ما قيل بزيادة من للتوفيق بينهما فإنه على قول الأخفش بزيادة من في الإثبات، وهو غير مقبول، ثم إنّ كلام المصنف رحمه الله تعالى هنا ينافي قوله في سورة نوح عليه الصلاة والسلام في تفسير من ذنوبكم ببعض ذنوبكم، وهو ما سبق فإنّ الإسلام يجبه لا يؤاخذكم به في الآخرة حيث أخذ ما يجبه الإسلام عامّا لنوعي الذنوب فاضطرّ في توجيه البعضية إلى أن اعتبره بالنسبة لما قبل الإسلام، وما بعده من جنس الذنوب، وقوله يجبه بالجيم والموحدة أي يقطعه، ويرفع إثمه. قوله :( وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع القرآن الخ ) هذا هو مختاره في الكشاف عكس ما قاله المصنف رحمه الله تعالى حيث قال ما علمته جاء هكذا إلا في خطاب الكافرين دون المؤمنين، وذكر آيات استشهد بها عليه، وأحاله على الاستقراء، ثم قالط وكان ذلك للتفرقة بين الخطابين، ولئلا يسوي بين الفريقين في الميعاد، واعترض عليه، وعلى قول المصنف رحمه الله تعالى في جميع القرآن، وقوله المعنى فيه أنّ المغفرة في خطاب الكفرة مرتبة على الإيمان، وفي خطاب المؤمنين مشفوعة بالطاعة، وتجنب المعاصي، ونحوه فيتناول الخروج عن المظالم بأنه إنما يتم لو لم يجىء الخطاب للكفرة على العموم، وقد جاء ذلك كقوله في سورة الأنفال :﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ مورة الأنفال، الآية : ٣٨ ] وقال الكلبي كتب وحشيّ قاتل حمزة رضي الله عنه، وأصحابه إنا ندمنا وسمعناك تقرأ والذين لا يدعون مع اللّه الهاً آخر الآية، وقد فعلنا كل ذلك فنزلت إلا من تاب فقال هذا شرط لعلي لا أقدر عليه فنزلت أنّ الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقالوا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [ سورة الزمر، الآية : ٥٣ ] فأقبلوا مسلمين رضي
الله عنهم، وقال المصنف رحمه الله تعالى وتقييده بالتوبة خلاف الظاهر، ويدل على إطلاقه فيما عدا الشرك قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ﴾ [ سورة النساء، الآية : ٤٨ ] والتعليل بقوله أته هو الغفور الرحيم، وليس هذا بوارد لأنّ مراده أنه باق على العموم مع ذكر من وحذفها لأنّ الدلالة على أن بعضا آخر لا يغفر من قبيل دلالة اللقب، ولا اعتذاد بها كيف وللتخصيص فائدة أخرى، وهي التفرقة بين الخطابين بالتصريح بمغفرة الكل، وءابقاء البعض في حق الكفرة مسكوتا عنه لئلا يتكلوا على الإيمان، وهذا معنى حسن لا تكلف فيه كما ذكره صاحب الك!شف، وأمّا توجيه المصنف رحمه الله تعالى فستعرف ما فيه، وأمّا الاعتراض بهذه الآيات فغير وارد لأنّ المراد ما ذكر فيه صيغة يغفر، وذنوب لا مطلق ما كان بمعناه، ولذا قال الزمخشريّ : إنه معلوم بالاستقراء، ومثله لا يخفى عليه ما أوردوه، ولا يلزم رعاية هذه النكتة في جميع الموادّ. قوله :( ولعل المعنى فيه ) أي في التفرقة بين الخطابين أنها لما ترتبت في خطاب الكفرة على الإيمان لزم فهي من التبعيضية لإخراج المظالم لأنها غير مغفورة عنه، وأمّا في خطاب الصؤمنين فلما ترتبت على الطاعة، هـ اجتناب ال!معاصي التي من جملتها المظالم لم يحتج إلى ألتبعيضية لإخراجها لأنها خرجت بما رتبت عليه، وأورد عليه قوله تعالى ﴿ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ حيث ذكرت من مع ترتبه على الطاعة واجتناب المعاصي الذي أفاده اتقوا، وقوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ ﴾ [ سورة الصف، الآية : ٠ ا ] الآية لعدم ذكر من مع ترتبه على الإيمان فهذا يدل على أن وجه التفرقة ما في الكشاف لا ما اختاره المصنف رحمه الله تعالى فتأمّل، وأمّا ما قيل في دفع ما ذكر فإنه غير ضارّ إذ يكفيه ترتبه في بعض المواد فيحمل مثله على أنّ القصد إلى ترتبه على الإيمان وحده بقرينة الآيات الأخر، وما ذكره يحمل على أن الأمر به بعد الإيمان فتكلف ما لا طائل تحته، وقوله إلى وقت سماه لا يلزم منه تعدد الأجل كما ذهب إليه المعتزلة كما مرّ تفصيله في قوله ﷺ :" الصدقة تزيد في العمر " ونحوه. قوله :( لا فضل لكم علينا ) أي لستم من جنس!آخر له فضل على جنسنا والفضيلة في بعض الجنس
على بعض لا تقتضي الوصول إلى النبوّة بزعمهم الفاسد وقوله من جن! أفضل مطلقا أو المراد الملائكة في اعتقادهم أو أفضليتهم باعتبار التجرّد، وعدم القوّة الشهوانية، وعلى كل حال فلا يلزم تفضيلهم على البشر بما ذكر حتى يكون كلامه مخالفاً لمذهب جمهور


الصفحة التالية
Icon