ج٥ص٢٨٤
أو ويجوز أن يكون الثاني تفسيراً للأوّل، ولا يخفى ما فيه فإنّ من في الظرفية تتعلق بكل فعل من غير حاجة إلى التضمين فإن أراد التعدية بها فلا وجه له لأنّ أنبأ يتعدى بالباء، وإنما هذا صفة للمفعول المقدّر أو حال
ولا وجه لجعل الواو بمعنى أو فإنه تكلف لا داعي له، وقيل إنه بيان لأنه عدل عن إلى إلى في للأعلام بمزيد التمكن فيهم فدل قوله نبأناه فيهم على معنى أعطيناه المعجزة، وقوله وجعلنا. رسولاً فيما بينهم على معنى صيرناه صاحب كتاب وشريعة، ولا يخفى ما فيه أيضا فتدبر. قوله :( وما للحال الخ ) هذا بناء على ما ذهب إليه الزمخشريّ من أنها مع المضارع لنفي الحال، ومع الماضي لنفي الماضي القريب من الحال، وهو أكثريّ لا كليّ فإنها جاءت لنفي المضارع في المستقبل كقوله :﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي ﴾ [ سورة يونس، الآية : ٥ ا ] فما نحن فيه من القسم الأوّل بالتأويل المذكور، وقوله والسلك بفتح السين مصدر بمعنى الإدخال، والمخيط بكسر الميم آلة الخياطة، ويقال سلك السنان في المطعون وعدّه في الأساس من الحقيقة، وقوله والضمير للاستهزاء أي ضمير نسلكه المفعول وأرجعه إليه لقربه، وقوله كالخيط مثال للشيء، وقيل تقديره كإدخال الخيط، ولا حاجة إليه. قوله :( وفيه دليل على أنه تعالى الخ ) هذا ردّ على المعتزلة في قولهم أنه قبيح فلا يصدر عنه تعالى، ولكن مع الاحتمال لا يخفى حال الاستدلال كما مرّ، ولذلك أيد ما ارتضاه الزمخشريّ من الوجه الثاني بما سيأتي الكلام عليه. قوله :) فإنّ الضمير الآخر في قوله لا يؤمنون به له ( أي الضمير المجرور للذكر، وهدّه الجملة حال من الضمير الذي هو مفعول نسلكه فيتعين كونه للذكر، ولا يصح كونه للاستهزاء وقوله مثل ذلك السلك إشارة إلى أنّ المشار إليه مصدر الفعل المذكور كما مرّ تحقيقه في البقرة، وكذلك صفة مصدر محذوف في محل نصب أو خبر مبتدأ في محل رفع ونسلكه جملة مستأنفة، وقوله مكذباً بيان لمعنى الحالية، وتوضيح لها، والمراد أنّ الإلقاء وقع بعده التكذيب من غير توقف فهما في زمان واحد عرفا فلا حاجة إلى القول بأنها حال مقدرة كما ذكره صاحب الكشف، وما ذكره من الحالية غير متعين لاحتمال الاستئناف، واعترض على هذا بوجهين الأوّل أنّ نون العظمة لا تناسب إرجاع الضمير للذكر فإنها إنما تحسن إذا كان فعل المعظم نفسه فعلاً ظهر له أثر قويّ، وليس كذلك هنا فإنه تدافع وتنازع فيه، وأجيب بأنّ المقام إذا كان للتوبيخ يحسن ذلك لأنّ العظمة قد تكون باعتبار اللطف، والإحسان، ولا يجب كونها باعتبار القهر والغلبة، . ولا يخفى أنه باعتبار القهر، والغلبة يقتضي أنه يؤثر ذلك في قلوبهم، وليس كذلك لعدم إيمانهم به وكذا باعتبار اللطف، والإحسان يقتضي
أن يكون سلكه في قلوبهم إنعاماً عليهم، وإذا لم يؤمنوا به فأيّ إنعام عليهم بما يقتضي الغضب فلا وجه لما ذكر الثاني أنّ ضمير به لا يتعين عوده على الذكر حتى يلتزم إرجاع الأوّل إليه أيضا لأنّ الأصل توافق الضمائر فيما ترجع إليه لجواز أن يكون للاستهزاء أيضاً والباء للسببية، وإنما يتعين لو كانت الباء صلة يؤمنون، ولا يخفى ركاكته وبعده يغني عن رذه، وقوله إذ لا يلزم الخ القائل لا يدعي لزومه بل أنه أولى، وهو لا يمكن إنكاره فلا يعدل عنه لغير مقتض، وقوله أو بيان للجملة المتضمنة له أي للذكر أو لهذا المعنى فكأنه قيل أي لا يؤمنون به. قوله :( لجواز أن تكون حالاً من المجرمين ) أي لا يلزم كونها حالاً من الضمير حتى يتعين عوده على الذكر قيل، وهذا لا يضرّ القائل إذ المعنى نسلك الذكر في قلوب المجرمين في تلك الحال، وبه يحصل توافق الضميرين أيضاً، ولا يخفى أنه ادّعى تعين عوده على الذكر لكونها حالاً منه فإذا لم تتعين الحالية لا يتعين ما ادّعاه وهذا في غاية الظهور، وكونه من المضاف إليه لأنّ المضاف بعضه، ولم يجعله من القلوب لعدم العائد إليها فمن قال الأولى جعله حالاً من القلوب لم يصب. قوله :( ولا ينافي كونها مفسرة ) أي عود الضمير على الاستهزاء لا ينافي كون هذه الجملة مبينة، ومفسرة لها إذ عدم الإيمان بالذكر أنسب بتمكن الاستهزاء في قلوبهم، وكون القائل مراده بيان الإعراب لا دعوى المنافاة غير ظاهر من سياقه في صدد الاستدلال. قوله :( أي سنة اللّه فيهم ) إشارة إلى أنّ الإضافة لأدنى ملابسة لأنّ السنة بمعنى العادة ليست لهم لا أنّ الإضافة على معنى في، وقوله بأن خذلهم، وسلك الكفر في قلوبهم الخ هذا ناظر إلى عود ضمير نسلكه إلى الاستهزاء لأنّ الاستهزاء كفر، وقدمه لأنه تفسير أهل السنة، وقوله