ج٥ص٢٨٥
أو بإهلاك الخ جار على التفسيرين يعني المراد بسنة الله في الأوّلين إهلاك المكذبين منهم، وهو وان لم يسبق له ذكر لكن السياق منبئ عته، ولذا قدم الأوّل لأنّ ما قبله دال عليه، وعلى التفسير الأوّل هو تسلية للنبيّ ﷺ، وعلى الثاني وعيد لأهل مكة لأنه إذا أهلك هؤلاء لكفرهم دل على أنّ هؤلاء على شرف الهلاك. قوله :( يصعدون إليها ويرون عجائبها الخ ) فالضمير للكفرة، وقوله طول نهارهم من قوله ظلوا لأنه يقال ظل يعمل كذا إذا فعله في النهار حيث يكون للشخص ظل، وأمّا وروده بمعنى صار فعلى خلاف الأصل ومعنى مستوضحين يرونه واضحا ظاهراً لكونه نهاراً، وقوله أو تصعد الملائكة فضمير ظلوا، ويعرجون للملائكة، وقوله وهم يشاهدونهم أي يشاهدون صعود الملائكة من عند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى السماء، ومشاهدتهم لهم لفرض وقوعها نهارا كما مرّ، وتشكيكهم إيقاع غيرهم في الشك. قوله :
( سدّت عن الأبصار بالسحر الخ ( قال الراغب السكر حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل في الشراب المسكر، وقد يكون من الغضب، والعشق قال الشاعر :
سكران سكر هوى وسكرمدامة أنى يفيق فتى به سكران
والسكر بفتحتين ما يسكر، والسكر بالسكون حب! الماء بالسد، والسكر بالكسر الموضع المسدود، ولذا يطلق على الجسر فسكرت هنا قيل إنه من السكر بالضم، وقيل من السكر بالكسر والفتح، وقال ابن السيد السكر بالفتح سد الباب، والنهر وبالكسر السد نفسه، ويجمع على سكور قال الرفاء رحمه الله تعالى :
غناؤنا فيه ألحان السكور إذا قل الغناء ورنات النواعير
فقوله ب!دت الخ إشارة إلى القول بأنه من السكر بالفتح، والكسر بمعنى السد بالمعنيين
بيان للاشتقاق أي سدت أبصارنا بسحر النبيّ ﷺ على زعمهم، وقوله عن الأبصار بكسر الهمزة متعلق بسدت أي منعت من الأبصار حقيقة، وما نراه تخيل لا حقيقة له، وقوله ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف أي والباقون بالتشديد، ووجه الدلالة عليه أنّ سكر المخفف المتعدي اشتهر في معنى السد، وقوله أو حيرت بالبناء للمجهول إشارة إلى القول الثاني بأنه من السكر ضد الصحو، والتشديد فيه للتعدية لأنّ سكر لازم في الأشهر وقد حكي تعديه فيكون للتكثير، والمبالغة، ووجه دلالة قراءة سكرت كفرحت عليه أنّ الثلاثيّ اللازم مشهور فيه، ولأنّ سكر بمعنى سدّ المعروف فيه فتح الكاف، وعلى هذا فسكرت أبصارنا استعارة، وأمّا على الأوّل فالظاهر أنه حقيقة، وقيل إنه استعارة أيضاً. قوله :( قد سحرنا محمد ﷺ بذلك ) أي بسكر أبصارنا أو بما نراه فالباء للسببية أو للملابسة. قوله :( وفي كلمتي الحصر والإضراب الخ ) بين الزمخشريّ الحصر بقوله يبتون القول بأنّ ذلك ليس إلا تسكيرا وتبعه بعض المتأخرين، وأورد عليه العلامة أنّ إنما تفيد الحصر في المذكور آخراً فيكون الحصر في الأبصار لا في التسكير فكأنهم قالوا سكرت أبصارنا لا عقولنا فنحن، وان تخيلنا هذه الأشياء بأبصارنا لكن نعلم بعقولنا إنّ الحال بخلافه، ثم أضربوا عن الحصر في الأبصار وقالوا بل تجاوز ذلك إلى عقولنا، وكذا قال الإمام أيضاً : وهذا مبنيّ على أن تقديم المقصور على المقصور عليه لازم، وخلافه ممتنع، وقد قال المحقق في شرح التلخيص إنه يجوز إذا كان نفس التقديم مفيداً للقصر كما في قولنا إنما زيدا ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد قال أبو الطيب :
أساميالم تزده معرفة وإنما لذة ذكرناها
أي ما ذكرناها إلا للذة، وأجاب بأنّ الكلام فيما إذا كان القصر مستفاداً من إنما، وهذا
ليس كذلك وجوابه غير مسلم فإنه قال في عروس الأفراح إنّ هذا الحكم غير مسلم فإنّ قولك إنما قصت معناه لم يقع إلا القيام فهو لحصر الفعل، وليس بأخير، ولو قصد حصر الفاعل لانفصل، ثم أورد أمثلة متعدّدة من كلام المفسرين تدل على خلاف ما قاله أهل المعاني في هذه المسألة فالظاهر أنّ الزمخشري لا يرى ما قالوه مطرداً، وهم قد غفلوا عن مراده هنا، وقيل إنه يجوز أن يعتبر الحصر بعد اعتبار إسناد التسكير إلى الأبصار فيكون من قبيل قصر الموصوف على الصفة قصراً إضافيا أي الواقع تسكير أبصارنا لا أنه كذلك حقيقة، وهذا لا محصل له، ومعنى الإضراب جعل الأوّل في حكم المسكوت عنه دون النفي، ويحتمل