ج٥ص٢٨٨
في قوله :﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ ﴾ [ سورة هود، الآية : ٤٥ ] فقال الخ وهو تفسير لقوله بالغ لما في التمثيل من المبالغة كما بينه، وقوله ما من شيء أي من الأنواع أو الإفراد التي لم تخلق، وعممه ليكون كالدليل على ما قبله، وخصصه الزمخشريّ بما ينتفع به بقرينة السياق، وهو من الاستعارة التمثيلية على الأوّل، ومن المكنية، والتخييلية على الثاني. قوله :( من يفاع القدرة ( بفتح الياء بمعنى المرتفع ضد الحضيض، وهو استعاوة لعظمة قدرته أو هو كلجين الماء فالمراد بالتنزيل الإيجاد، والإنشاء. قوله :( حدّه الحكمة ) بلفظ الماضي أي جعلت له حذاً، وقوله لا بد له من
مخصص حكيم إشارة إلى كون الآية دليلاً على الألوهية. قوله :( حوامل شبه الريح الخ ) يعني أنه جمع لاقح بمعنى حامل يقال ناقة لاقح بمعنى حامل فهو من التشبيه البليغ شبهت الريح التي تأتي بالسحب الماطرة بالناقة الحامل لأنها حاملة للسحاب الماطر أو للماء الذي فيه، وقال الفراء : إنها جمع لاقح على النسب كلابن، وتامر أي ذات لقاح، وحمل وهي التي تجيء بالسحب الممطرة، ويقال لضدّها ريح عقيم. قوله :( أو ملقحات للشجر أو السحاب ) عطف على قوله حوامل، وهو من ألقح الفحل الناقة إذا ألقى ماءه قيها لتحمل فاستعير لصب المطر في السحاب أو الشجر، وإسناده إليها على الأوّل حقيقة، وعلى الثاني مجاز إذ الملقي في الشجر السحاب لا الريح، وهو حينئذ جمع ملقح بحذف الزوائد كالطوائح أو هو جمع لاقح على النسب أو هو مجاز وكلام المصنف رحمه الله تعالى صريح في الأوّل، ولقح الشجر تنميته ليثمر، ويزهو أو أن يجري الماء فيه. قوله :( ومختبط مما تطيح الطوائح ) صدره :
ليبك يزيد ضارع لخصومة
وهو من شعر في رثاء يزيد النهشلي واختلف في قائله فقيل لبيد وقيل نهشل بن حرب،
وقيل الحرث بن نهيك النهشلي، وقيل الحرث بن ضرار النهشلي، وقيل مزرد كما في شرح أبيات الكتاب، والمختبط طالب العرف المحتاج، وأصله من تخبط ورق الأشجار لتأكلها الدواب، وإنما يفعل ذلك في الجدب، وشدّة الاحتياج، وتطيح بمعنى ترمي، والطوائح جمع المطيحة بمعنى السنين أو الجوائح الرامية له أو جمع طائحة على التجوّز، وقوله على تأويل الجنس الخ أي أنها وإن كانت مفردة على هذه القراءة لكن دخول الألف، واللام الجنسية عليها صيرها في معنى الجمع فلذا صح جعل لواقح حالاً منها فالمعنى جنس الريح نحو أهلك الناس الدينار الصغر فإن قلت هذه القراءة تخالف ما قالوه في حديث اللهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحا من أنّ الرياج تستعمل للخير، والريح للشرّ قلت هذا ليس من الوضع، وإنما هو من الاستعمال، وهو أمر أغلبيّ لا كليّ فقد استعملت الريح في الخير أيضا نحو قوله تعالى :﴿ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ﴾ [ سورة يونس، الآية : ٢٢ ] أو هو محمول على الإطلاق بأن لا يكون معه قرينة كالصفة والحال، وأمّا كون المراد به الدعاء بطول العمر ليرى رياحا كثيرة فلا وجه
له، وقوله سقيا كبشرى بمعنى تسقي به الأراضي، والمواشي فليس أسقاه بمعنى سقاه، وان ورد بهذا المعنى أيضاً. قوله :( قادرين متمكنين من إخراجه ) أي من العدم لأن الخزن اتخاذ الخزائن، وهو يستعار للقدرة كما مرّ وأشار إليه بقوله نفي عنهم ما أثبته لنفسه أي في قوله :﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ أو في قوله وأنزلنا الخ ووجه دلالته على إثباته لنفسه هنا كما صرّح به أوّلاً أنه من باب، وما أنت علينا بعزيز فيفيد تقديمه القصر ولا حاجة إليه مع دلالة ما مرّ، وهذا على الحصر فيه. قوله :( أو حافظين في الندران ) فالخزن مجاز عن مطلق الحفظ في مجاريه مع أنه لو خلي وطبعه لفار، وقوله وذلك أي الحفظ فيما ذكر، وقوله أيضا أي كإنزاله من السماء أو إيجاده، وقوله كما تدلّ حركة الهواء يشير إليه قوله :﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ ﴾ الخ، وقوله فإنّ طبيعة الماء الخ. بيان لدلالة حفظ الماء على ما ذكر، وقوله دون حده أي حد الغور أو حد الماء وطبعه، والغور ذهاب الماء في الأرض!. قوله :( وقد أوّل الحياة بما يعم الخ ) فهو من عموم المجاز بمعنى يعطي لكل شيء قوّة النماء ونحوه، وقوله وتكرير الضمير أي في قوله نحن نحي، ونحن الوارثون قيل إنه جعل الضمير للفصل، وهو يفيد القصر، وقد رذه أبو البقاء رحمه الله تعالى بوجهين أحدهما أنه لا يدخل على الخبر الفعلي، وأنّ اللام لا تدخل عليه قال في الدرّ المصون والثاني غلط فإنه ورد دخولها عليه كقوله :﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [ سورة آل عمران، الآية : ٦٢ ] وهذا مبنيّ على مذهب الجرجاني، وبعض النحاة إذ جوزوا دخوله على المضارع كقوله :﴿ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ﴾ [ سورة البروج، الآية : ١٣ ]