ج٥ص٣
تعالى :﴿ لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً ﴾ [ سورة فصلت، الآية : ١٤ ] أو لكونه أنذرهم بالبعث الذي أنكروه والمصنف رحمه الله لم يلتفت إلى هذا لبعده عن السياق، وقولهم يتيم أبي طالب لأنه كان معه في صغره، ولم يعرفوا أنّ أنفس الدرّ يتيمه، وقيل للحسن رحمه الله لم جعله الله يتيماً فقال لئلا يكون لمخلوق عليه منة فإنّ الله هو الذي آواه وأدّبه ورباه، وقوله :( وجهلهم بحقيقة الوحي ( لأنه سبحانه يعلم حيث يجعل رسالاته وما عدوه سيئا ليس بشيء يلتفت إلى مثله، وقوله :( هذا ) أي الأمر هذا أو خذ هذا، وقوله خفة الحال قد أجاد في التعبير عن قلة المال به لأنه أخف إذ ليس له معه ما يشغله عما أريد منه مع عدم احتياجه إليه، ولذا قيل لبعض المشايخ هل
يقال للنبيّ ﷺ زاهد فقال : ما قدر الدنيا عنده حتى يزهد فيها وقد أرسل الله إليه ملك الجبال في بدء الوحي، وقال : إن شئت جعلتها لك ذهبا وجواهر فلم يطلب ذلك وأنما يطلب الغنى من لا يقدر عليه وقوله وقيل الخ هو التفسير الثاني كما عرفته. قوله :( أن هي المفسرة الخ ) أي لمفعوله الإيحاء المقدر وشرطها موجود وهو أن يتقدم عليها ما فيه معنى القول دون حروفه كالإيحاء نحو كتبت إليه أن قم وقوله أو المخففة من الثقيلة على أنّ اسمها ضمير الشأن وفي وقوع الجملة الأمرية الإنشائية خبر الضمير الشأن دون تأويل وتقدير قول اختلاف فذهب صاحب الكشف إلى أنه لا يحتاج إلى ذلك لأنّ المقصود منها التفسير وخالفه النحرير وغيره في ذلك، وذهبوا إلى أنه لا فرق بين خبره وخبر غيره، ولم يذكر احتمال كونها مصدرية حقيقة في الوضع لمنع كثير من النحاة وصلها بالأمر والنهي، وذكره أبو حيان هنا بناء على جوازه مع أنه نقل عنه في المغني أنّ مذهبه المنع بناء على أنه يفوت معنى الأمر إذا سبك بالمصدر، واعترض! بأنه يفوت معنى المضيّ، والحالية والاستقبال المقصود أيضا مع الاتفاق على جوازه، وقد يقال إن بينهما فرقاً فإنّ المصدر يدلّ على الزمان التزاماً فقد تنصب عليه قرينة فلا يفوت معناه بالكلية بخلاف الأمر فإنه لا دلالة للمصدر عليه أصلا، وقد مرّ ما ذهب إليه بعض المدققين من أنّ المصدر كما يجعل ويسبك من جوهر الكلمة فيجوز أخذه من الهيئة، وما يتبعها فيقدر في هذا، ونحوه أوحينا إليه الأمر بالإنذار كما قدر في لا تزني خير عدم الزنا خير، ومنهم من ذكر هذا بحثا من عنده مع أنّ هذا مشترك في الالتزام، والجواب مع أنّ المفتوحة المشددّة لأنها مصدرية أيضا، وقوله فتكون الخ تفريع على الوجه الثاني، وعلى الأؤل مفعوله مقدر وهذه الجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب كما مز. قوله :( عمم الإنذار الخ ( أي حيث قال الناس دون المؤمنين، والكافرين، ولا مانع من الاستغراق العرفي أي كل أحد ممن يقدر على تبليغه إذ تبليغ جميع أهل عصره غير ممكن له، وإليه يشير قول المصنف رحمه الله إذ قلما من أحد الخ فلا وجه للاعتراض بأنّ الاستغراق المفهوم من كلامه غير صحيح لأنّ تبليغ الإنذار إلى كل من في عصره ليس في وسعه ولا حاجة إلى دفعه بأنه لم يرد الاستغراق، وإنما قصد المبالغة، وأفا تبشير الكافرين إن آمنوا فراجع إلى تبشير المؤمنين، وقيل إنّ في المؤمنين عموم الخبر به، وهو شموله للثقلين، واعترض! على قوله في المغني أنّ أبا حيان منع وصل أن المصدرية بالأمر بأنه جوّزه هنا، وفي سورة النحل. قوله :) سابقة ومنزلة رفيعة الخ ) في الكشاف أي سابقة، وفضلاً ومنزلة رفيعة سميت قدما لما كان السعي، والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة قدما كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد وباعا لأنّ صاحبها يبوع بها فقيل
لفلان قدم في الخير والسابقة هنا مصدر بوزن فاعلة بمعنى السبق، والسبق كالتقدم بمعنى فضلهم على غيرهم لما خصوا به من سائر الأمم فالقدم مجاز مرسل عن السبق لكونها سببه وآلته، والسبق مجاز عن الفضل والتقدم المعنوي إلى المنازل الرفيعة فهو مجاز بمرتبتين، وقيل المراد تقدمهم على غيرهم في دخول الجنة لقوله ﷺ :" نحن الآخرون السابقون يوم القيامة " وقيل تقدمهم في البعث، وقيل سابقة اسم فاعل أي سعادة سابقة في اللوج أو شفاعة سابقة، وفي الكشاف وجه آخر، وهو أنّ قدم صدق بمعنى مقام صدق كمقعد صدق بإطلاق الحال، وارادة الحال، وليس هذا معنى قوله منزلة رفيعة كما توهم حتى يلزم جمع المعاني المجازية، وظاهر. أنّ القدم يطلق على السبق مطلقا كما تطلق اليد على