ج٥ص٣١١
للاستدلال، وعجزها لتقرير الوقاحة وليس بشيء لأنّ مدار ما قبلها في تلك السورة على الحشر والنشر ومكابرتهم فيه بخلاف هذه، ولكل مقام مقال، وقد أشار إليه المصنف رحمه الله تعالى هناك، وأمّا كون الآية مسوقة لتقرير وقاحة الإنسان لانتفاء التنافي بين الاستدلال على الوحدانية والقدرة وتقرير وقاحة المنكرين، ولذا جعل تتميما لقوله تعالى :﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ فعدم المنافي لا يقتضي وجود المناسب ووجه التعقيب وإذا الفجائية مع أنّ كونه خصيماً مبينا لم يعقب خلقه من نطفة إذ بينهما وسايط أنه بيان لأطوار. إلى كمال عقله فالتعقيب باعتبار أخرها فلا وجه لتقدير الوسايط ولا للقول بأنه من باب التعبير عن حال الشيء بما يؤول إليه وخصيم صيغة مبالغة أو بمعنى مخاصم، وترى بضثم التاء بمح!ى تزعم وتظن ورم بمعنى صار رميماً. قوله :( روي أنّ أبئ بن خلف الخ ) الرميم البالي الفاني وفي هذه الاية دليل الشافعيّ رضي الله تعالى عنه على أنّ العظم والشعر ينجس بالموت، وأبو حنيفة رحمه الله تعالى خالف في ذلك وقال لو أن فيه حياة ما لبث بعد الموت وتأويفه بما سياتي في سورة يس يأباه أنّ دخول صورة السبب لازم. قوله :( ألا بل الخ ) سيأتي تحقيقه والغنم شامل للضأن والمعز كشمول البقر للجاموس وهذه هي الأزواج الثمانية والزوج ما معه غيره وقد يراد به المجموع، وفي نصب الأنعام أوجه نصب على الاشتغال وهو أرجح من الرفع لتقدم الفعلية أو بالعطف على الإنسان فعلى الأوّل قوله خلقها مفسر، وعلى هذا مبين مؤكد وهو مستأنف جواب سؤال مقدر وقرىء بالرفع في الشواذ. قوله :) بيان ما خلق لأجله ( وفي نسخة ما خلقت لأجله والتذكير في الأولى بتأويل ما ذكر أو يكون لأجل نائب الفاعل وجوّز فيه أن يكون مبنيا للفاعل وفي الكشاف ما خلقها إلا لكم ولمصالحكم يا جن! الإنسان فقيل
الحصر مأخوذ من لام الاختصاص بناء على أنه معنى اختصاها على أحد الاحتمالين، وقوله : يا جنس الإنسان إشارة إلى أنه التفات من الغيبة إلى الخطاب والكلام تم عند قوله خلقها، ويجوز أن يتم عند قوله لكم متعلقة بخلقها والأوّل أولى لعطف قوله :﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ﴾ عليه وعليه فالحصر مستفاد من التقديم وعلى الأوّل من اللام أو الفحوى والمقام وخالفه المدقق، فجعل الأولى تعلق لكم بخلق قيل : وهو الذي أراده رحمه الله تعالى ولذا لم يذكر حديث الحصر لأنّ اللام لا تدلّ عليه كما مرّ تفصيله، والمقابلة غير متعينة هنا وفيه أن قوله هنا لأجله صريح في أن اللام تعليلية لا اختصاصية غير دالة على الحصر وان قيل : إنّ التعليل قد يفيد ذلك فتأمّل وقوله فيقي البرد أي يكون وقاية دافعة بجعله لباسا أو بيتاً كما في آية أخرى ومن أصوافها الخ. والدفء اسم لما يدفىء أي يسخن وقرأ زيد بنقل حركة الهمزة إلى الفاء والزهريّ كذلك إلا أنه شدد الفاء كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف وفي اللوامح منهم من عوّض! من الهمزة تشديد الفاء، وهو أحد وجهي حمزة بن حبيب وقفا، واعترض عليه المعرب بأنّ التشديد وقفاً لغة مستقلة، وان لم يكن ثمة حذف من الكلمة الموقوف عليها، ويدفع بأنه إنما يكون ذلك إذا وقف على آخر حرف منها أمّا إذا وقف على ما قبل الآخر كقاض فلا. قوله :( نسلها ودرها وظهورها ) أي وركوب ظهورها، وقوله وأنما عبر عنها أي عما ذكر من النسل وما ذكر معه والمراد بعوضها ثمنها ويلحق به الأجرة، وقوله أي تأكلون ما يؤكل إشارة إلى أنّ من تبعيضية، ويجوز أن تكون ابتدائية، وقوله :) والألبان ) إشارة إلى أنّ الكل هنا بمعنى التناول الشامل للشرب، وقوله :) أو لأن الأكل منها هو المعتاد ) بيان لوجه آخر للتقديم، وهو الحصر وأنه إضافيّ بالنسبة إلى اللحوم المعتادة، ونحوها، فلا يرد لحم الطيور والخبز والبقول والحبوب، والاعتياد مأخوذ من المضارع الدال على الاستمرار. قوله :( تردّونها من مراعيها إلى مراحها ) بضمّ الميم وهو مقرها في دور أهلها وفيه إشارة إلى أنّ ضمير المفعول محذوف من الفعلين، والأفنية جمع فناء الدار بالكسر والمد وهو ما حولها من الفضاء، ويجل بكسر الجيم بمعنى يعظم، وملأى بفتح الميم وسكون اللام تأنيث ملآن كعطشان وعطشى، وحافلة بمعنى ممتلئة باللبن وحاضرة لأهلها أي موجودة في أفنيتهم، وقوله :﴿ تُرِيحُونَ ﴾ فيه إشارة إلى حذف العائد من الجملة الواقعة صفة، والتسريح بمعنى الارسال، وأصله في الشعر والمراد به هنا