ج٥ص٣١٤
دفع استدلالهم تبعا للإمام بأن المراد على الله بحسب الفضل والكرم بيان الدين الحق، والمذهب الصحيح فأمّا بيان كيفية الاغواء والاضلال فغير واجب وفيه بحث فإنه كما أن بيان الهداية، وطريقها متحتم فكذا ضده، وليس إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام، وإنزال الكتب إلا لذلك فالحق أن المعنى على الله بيان طريق الهداية ليهتدوا بها، وبيان غيرها ليحذروه، وإنما اكتفى بأحدهما للزوم الآخر له، ولذا قال محي السنة رحمه الله تعالى المعنى بيان طريق الهدى من الضلالة :
وبضدها تتبين الأشياء
وقوله :( أو لأن المقصود الخ ( هذا جواب آخر بناء على أن بيانهما لازم، ولكنه اقتصر
على بيان الأوّل، لأنه المقصود بالذات والآخر إنما يبين ليجتنب كما قيل :
عرفت الشز لا للشرّ لكن لتوقيه
ولما كان مقتضى هذا ترك ذكره بالكلية أشار إلى أنّ ذكر انقسام السبيل إليهما وقع بالعرض كالاستطراد وقراءة ومنكم بالواو قراءة ابن أبيّ وقراءة على فمنكم بالفاء. قوله :( أي ولو شاء هدايتكم الخ ) قدر مفعوله من مضمون الجواب كما هو المطرد فيه كما مرّ تحقيقه،
وأجمعين قيد المنفي لا النفي فهي لسلب العموم لا لعموم السلب، وقوله هداية مستلزمة للاهتداء قيد به لأنه هو المنفي إذ الهداية بمعنى مطلق الدلالة واقعة للجميع لما لم يكن تعلق مشيئة الله بشيء موجبة لوجود. عند المعتزلة والآية منادية على خلاف ما زعموه جعلوا المشيئة قسمين مشيئة قسر والجاء وغيرها، والأولى موجبة بخلاف الثانية وفسروا المشيئة هنا بالقسرية كما في الكشاف. قوله :( من السحاب أو من جانب السماءا لما كان المطر ينزل من الغيم دون السماء نفسها جعلها بمعنى السحاب إمّا استعارة، أو مجازاً مرسلاً على أنها بمعنى ما علا مطلقاً أو في الكلام مضاف مقدر وهو جانب أو جهة، وقوله صلة أنزل فمنه شراب مبتدأ وخبر أو منه صفة وشراب فاعله وقوله :( ومن تبعيضية ) أي في قوله منه والجملة صفة، وأمّا من في قوله :﴿ مِّنَ السَّمَاء ﴾ فابتدائية. قوله :( وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ) أشار بقوله يوهم إلى أنه ليس بمراد لأنّ التقديم لا يلزمه ذلك ولذا قال ولا بأس به أي لا ضرر في قصد الحصر المتبادر منه فإنّ جميع المياه العذبة المشروبة بحسب الأصل منه كما بينه والآبار جمع بئر على القلب والتقديم إذا لم يكن صلة أنزل، وهو ظاهر وقوله فسلكه ينابيع دلالته على ما ذكره بحسب الظاهر إذ لا يأبى كون بعضها ليس منه، وكذا ما بعده. قوله :( ومنه يكون شجر ) بيان لحاصل المعنى لا للإعراب، لأن منه خبر مقدم أي كائن منه شجر، وقوله :( يعني الشجر الذي ترعاه المواشي ( فيه إبقاء الشجر على حقيقته لأنه ما كان له ساق وقيده بما يرعى لقوله فيه تسيمون، والإبل والبقر تأكل من أوراقه طرية وتخبط لها يابسة، وقوله :( وقيل كل ما ينبت ) فهو مجاز شامل، وهو أنسب بكونه مرعياً واستدل عليه بالبيت إشارة إلى استعماله بهذا المعنى كما ورد في الحديث :( لا تكلوا ثمن الشجر ) يعني الكلا كما في النهاية.
قوله :
جدبوا، وقيل المراد باللحم الضرع، والمراد سقيها اللبن، وعز بمعنى قل والشجر هنا بمعنى الكلأ لأنه هو الذي يعلف، وكون ذلك فيه ضرر، لأنه لا يغني غناء غيره. قوله :) ترعون من سامت الماشية واسامها الخ ) والقراءة المشهورة بضم التاء من الأسامة وقرئ شاذآ بفتحها بتقدير لتسيم مواشيكم والسومة بضم السين كالسمة بكسرها بمعنى العلامة، وقوله لأنها تؤثر بالرعي علامات يعني أن المواشي تؤثر علامات في الأرض والأماكن التي ترعاها فلذا سميت أسامة. قوله تعالى :) ﴿ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ ﴾ ) يحتمل أن تكون صفة أخرى لماء أو مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل، وهل له منافع أخر، وقوله على التفخيم لأنه يستعمله المعظم نفسه، ولذا سماها النحاة نون العظمة. قوله :) وبعض كلها ) فمن تبعيضية وصرّح بها لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما أنبت في الأرض! بعض من كل ليتذكر باقيها كما في الكشاف والمصنف رحمه الله تعالى ذكر وجهاً آخر، وهو أنها بعض مما في يفاع الإمكان من ثمر القدرة الذي لم تجنه راحة الوجود وهو أظهر وأشمل، وأنسب بما تقدم، لأنه كما عقب ذكر الحيوان المنتفع بها على


الصفحة التالية
Icon