ج٥ص٣١٦
ابتداء، وبقاء فالمعنى أنها مسخرات لله منقادة في البروز من العدم إلى الوجود، وفي البقاء للانتفاع بها فإنها محتاجة إلى الفاعل في الحالين عند التحقيق فالأمر واحد الأمور، والمراد به الخلق، والتدبير الجاري على وفق مثيئته، وليس بيانا لمعنى التسخير لعدم تصوّر حقيقة التسخير، وهي القهر، والغلبة في الجمادات إذ لا حاجة إليه بعد ما فسره بالإعداد، والتهيئة وبين أنه بمعنى الجعل أو النفع أو الأمر واحد الأوامر، وهو تكوينيّ كقوله :﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [ سورة ي!، الآية : ٨٢ ] فالمعنى أنها مسخرة لما خلقت له بقدرته، وايجاده أو بحكمه عليها كما أراد فأوفى قوله أو بحكمه للتخيير في التفسير، وفي نسخة لحكمه باللام، والمشهور الباء. قوله :( وفيه للذان بالجواب عما عسى يقال الخ ( عسى هنا مقحمة بين الصلة والموصول كما مر تفصيله يعني كون ذلك بأمره على التفاسير فيه ينفي تأثير العلويات، والطبائع بالذات لأن تخصيص بعضها ببعض الأحوال لا بدّ له من مخصص فإن كان ذلك حادثا دار أو تسلسل، وان كان واجباً ثبت المراد، وقوله فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه بناء على أنّ النجوم شاملة للشمس، والقمر. قوله :( لأنها تدل أنواعاً من الدلالة ظاهرة الخ ) فيه لف، ونشر مرتب فقوله تدل الخ. بيان لنكتة الجمع وغير محوجة لذكر العقل يعني أنه لما ذكر الآثار السفلية أفرد الآية وذكر التفكر، وحين ذكر العلوية جمع الآية، وذكر العقل لظهور دلالتها على القدرة، والعظمة فكأنها مدركة ببديهة العقل، وكل منها دليل مستقل بخلاف الآثار السفلية فإنها خفية الدلالة لاحتمال استنادها إلى العلويات فلا بد من التفكر فيها، ومن ضمّ بعضها إلى بعض ليظهر المطلوب فهي بمنزلة آية واحدة، وكذلك الاستدلال باختلاف ألوان ما ذرأ فاحتاج إلى تذكر حال الآثار السفلية فيه فلذا قال إن في ذلك لاية لقوم يذكرون كذا قرّره العلامة في شرح الكشاف، والاستدلال بالدور والتسلسل إنما هو بعد التفكر في بدء أمرها وما نشأ منه من اختلاف أحوالها فلا وجه لما قيل إنه إذا انجرّ الكلام
إلى إبطال التسلسل على ما قرّره لا تكون الدلالة محوجة إلى استيفاء فكر، وإنّ المقام غير محتاج إلى ذلك لأنه للرذ على عبدة الأوثان المعترفين بأنه خلق كل شيء، وأمّا التعكيس بجعل الاستدلال بالآثار العلوية أدق من الاستدلال بالسفلية لأنّ اختلاف أحوال النبات، ونحوه مشاهد بخلاف العلوية لاحتياجها إلى تدقيقات حكمية وهندسية فهو وان كان له وجه غير ملائم للمقام، ولما في الفاصلتين من الختام فتدبر. قوله :) عطف على الليل الخ ) ذرأ بمعنى خلق ومنه الذزية على قول قيل عليه إنّ فيه شبه التكرار لأن اللام في ذرأ لكم للنفع، وقد جعل سخر لكم بمعنى نفعكم فمآل المعنى نفعكم بما خلق لنفعكم فالأولى جعله في محل نصب بفعل محذوف أي خلق أو أنبت كما قاله أبو البقاء رحمه الله، وما قيل من أن الخلق للإنسان لا يستلزم التسخير لزوما عقليا فإنّ الغرض! قد يتخلف مع أنّ الإعادة لطول العهد لا تنكر رذ بأنه غفلة عن كون المعنى نفعكم، وما ذكره علاوة مبنيئ على كون لكم متعلقا بسخر أيضا، وهو عند المصنف رحمه الله متعلق بذرأ وهذا ليس بشيء لأن التكرار لما ذكر، وللتأكيد أمر سهل، وكون المعنى نفعكم لا يأباه مع أن هذه الآية سيقت كالفذلكة لما قبلها، ولذا ختمت بالتذكر وقوله أصنافه إشارة إلى أنه مجاز عما ذكر كما يقال ألوان الطعام، وهو مجاز معروف في العربية، وغيرها قال الراغب الألوان يعبر بها عن الأجناس، والأنواع يقال فلان أتى بألوان من الحديث، والطعام. قوله :) أنّ اختلافها في الطباع ( أي اختلاف طبائعها، وهيئاتها، وأشكالها مع اتحاد مذتها يدل على الفاعل الحكيم المختار كما مرّ تقريره، وقيل المراد بالطباع الصفات التي تتميز بها الأجسام المتماثلة كما هو مذهب المتكلمين القائلين بتماثل الأجسام فلا يرد أن الماهيات ليست بجعل جاعل، ولا داعي لما ذكره، ولا قرينة على أنه المراد منه. قوله :) ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم (، والرطوبة مستعدة للتغير فلذا كان سريع الفساد والاستحالة، وقوله فيسارع إلى أكله إشارة إلى أنه ينبغي تناوله طريا من ساعته، وقد قال الأطباء إن تناوله بعد طراوته من أضمز الأشياء ففيه إدماج لحكم طبيّ، وهذا لا ينافي تقديده، وأكله مخللاً كما توهم، ومنه متعلق بتأكلون أو حال، ومن ابتدائية أو تبعيضية، وطرقي فعيل مت طرو يطرو طراوة أو طرأ يطرأ، ويقال طراوة