ج٥ص٣١٧
وطراء كشقاوة، وشقاء والطراوة ضد اليبوسة. قوله :
( وأجيب عنه بأن مبني الإيمان على العرف ) أي على ما يتفاهمه الناس في عرفهم لا على الحقيقة اللغوية، ولا على استعمال القرآن، ولذا لما أفتى الثوري بالحنث بأكل السمك لمن حلف لا يأكل لحماً لهذه الآية، وبلغ أبا حنيفة قال للسائل ارجع، واسأله عمن حلف لا يجلس على بساط فجلس على الأرض هل يحنث لقوله تعالى :﴿ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴾ [ سورة نوج، الآية : ٩ أ ] فقال له كأنك السائل أمس قال نعم فقال لا تحنث في هذا، ولا في ذاك، ورجع عما أفتى به أوّلاً قال ابن الهمام فظهر أنّ متمسك أبي حنيفة العرت لا ما في الهداية من أنّ القياس الحنث، ووجه الاستحسان أن التسمية القرآنية مجازية لأن منشأ اللحم الدم، ولا دم فيه لسكونه الماء مع انتقاضه بالألية فإنها تنعقد من الدم، ولا يحنث بأكلها، وقيل عليه إنه يجوز أن يكون في المسألة دليلان ليس بينهما تناف، وما ذكره من النقض مدفوع بأن المذكور كل لحم ينشأ من الدم، ولا يلزم عكسه الكلي، ولا يخفى ما فيه فإن إطلاق اللحم على السمك لغة لا شبهة فيه فينقض الطرد والعكس فمراد المدقق الرذ عليه بزيادة في الإلزام نعم قد يقال مراده بالمجاز المذكور أنه مجاز عرفي كالدابة إنما أطلقت على الإنسان فيرجع كلامه إلى ما قاله أبو حنيفة رحمه اللّه، وحينئذ لا غبار عليه، وما ذكره بيان لوجه الاستعمال العرفيئ فلا يرد عليه شيء فتأمل، وكون السمك عذباً تسمح، والزعاق بضم الزاي، والعين المهملة المز الذي لا يشرب، وفي الكشاف إذا قال الرجل لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحما فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار، وتعقب بأن الإنكار إنما جاء من ندرة اشتراء مثله لأنه غير متعارف، وفيما نحن فيه اشتراء السمك، ولحمه متعارف فمحل الإنكار إطلاق اللحم عليه. قوله :( كاللؤلؤ المرجان ( في تهذيب الأسماء المرجان فسره الواحدي بعظام اللؤلؤ، وقال أبو الهيثم صغاره، وقال آخرون : هو جوهر أحمر يسمى النسيد وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه، وهو المشهور في عرف الناس. قوله :( فأسند إليهم لآنهن من جملتهم الخ ( لما كان الحلي من لبس النساء دون الرجال وجهه بأنه أسند إلى الرجال لاختلاطهم بالنساء، وكونهم متبوعين أو لأنهم سبب لتزينهن فإنهت يتزين ليحسن في أعينهم أو هو من المجاز في الطرف فمعنى تلبسون تتمتعون وتلتذون على طريق الاستعارة أو المجاز، ولو جعل من مجاز البعض لصح أن تلبسها نساؤكم، وأمّا كونه تغليبا، أو من إسناد ما للبعض إلى الكل فلا وجه له أمّا الأوّل فلعدم التلبس بالمسند، وهو اللبس، وأمّا الثاني فلأنه لا يتئم بدون الفجاز في الطرف، واستدل أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى بهذه الآية على أن اللؤلؤ يسمى حليآ حتى لو حلف لا يلبس
حلياً فلبسه حنث، وأبو حنيفة رحمه الله يقول لا يحنث لأنّ اللؤلؤ وحده لا يسمى حليا في العرف، وبائعه لا يقال له بائع الحلي كذا في أحكام الجصاص، وأمّا ما قيل إنه لا مانع من تزين الرجال باللؤلؤ فلا حاجة لما تكلفه المصنف رحمه الله فبعد تسليم أنه لا مانع منه شرعا مخالف للعادة المستمرة، ويأباه لفظ المضارع الدال على خلافه فإن قلت الظاهر أن يقال تحلونهن أو تقلدونهن كما قال :
نزوع حصاة حالية العذارى فيلمس جانب العقد النظيم
وهي للنساء دون الرجال قلت أمّا الأوّل فسهل لأنّ المراد لازمه أي تحملونهن، والثاني
على فرض! تسليمه هم يتمتعون بزينة النساء فكأنهم لابسون، وإذا لم يكن تغليبا فهو مجاز بمعنى تجعلونها لباسا لبناتكم ونسائكم، ونكتة العدول أنّ النساء مأمورون بالحجاب، واخفاء الزينة عن غير المحارم فأخفى التصريح به ليكون اللفظ كالمعنى. قوله :( جواري فيه ) فهو جمع ماخره بمعنى جارية، وأصل معنى المخر الشق فسميت به لأنها تشق الماء بمقدمها، وهو المراد بالحيزوم بالحاء المهملة، والزاي المعجمة لأنه أعلى الصدر مما اكتنفه الحلقوم، وله معان أخر أو المخر الصوت سميت به لأنها يسمع لها صوت إذا جرت. قوله :) من سعة رزقه بركوبها للتجارة ) في إعراب لتبتغوا ثلاثة أوجه أحدها أنه معطوف على لتأكلوا، وما بينهما اعتراض وثانيها أنه معطوف على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا، وقيل إنه متعلق بفعل محذوف أي وفعل ذلك لتبتغوا، وهو تكلف لا حاجة إليه وفسر الفضل بتوسيع الرزق، وقيده بما يكتسب من تجارة البحر لاقتضاء المقام. قوله :( أي تعرفون نعم اللّه تعالى فتقومون بحقها ( ذكر المعرفة لأنه لا يشكر النعمة من


الصفحة التالية
Icon