ج٥ص٣٧٠
والأولى أن يقول أو إلى سبيل الحق لكنه أضاف السبيل إلى لازمه، وهو النجاة، ولا يخفى أنه تعسف نحن في غنى عنه بما سمعته فتأمل. قوله :( إلى الجنة ) قيل هو تفسير للمعتزلة مناسب لأصولهم، وفيه نظر وقوله هددهم التهديد بما ذكره في هذه الآية وإماطة الشبهة قد مر في قوله لسان الذي الخ وقوله قلب الأمر عليهم إشارة إلى أنّ في الآية قصر قلب والمعنى إنما يفتري هؤلاء لا هو وقوله لأنهم لا يخافون عقابا يردعهم لعدم تصديقهم بوعيده ومن لا يخاف العقاب يجترئ على الكذب. قوله :
( إشارة إلى الذين كفروا أو إلى قريش ( أما كونه إلى الكافرين مطلقاً فلسبقهم في قوله الذين لا يؤمنون ويدخل فيهم قريش دخولاً أوّليا، وأمّا كونه لقريش فلأن السياق فيهم، وهم القائلون إنما أنت مفتر كأنه بعد تمهيد مقدمة كلية هي إن الذين يفترون كاذبون صرح بما هو كالنتيجة له، وهو أنّ قريشا كاذبون فلا استدراك في الكلام على هذا فاقا إذا كان إشارة إلى الذين كفروا فيدفع الاستدراك بأنّ المراد بالكاذبين الكاملون في الكذب، والتعريف جنسيئ على ما مر تحقيقه في أولئك هم المفلحون أو المستمرّون على الكذب أو يقيد ا أممذب فهذه الوجوه الثلاثة إذا كان أولئك إشارة إلى الذين لا يؤمنون على ما حققه الشارح العلامة. قوله :) أي الكاذبون على الحقيقة الخ ( شروع في دفع الاستدراك، والتكرار وتوجيه للحصر المستفاد من الضمير وتعريف الطرفين ومعنى قوله على الحقيقة أي الكاذبون حقيقة، وفي نفس الأمر لا بحسب الزعم والإسناد الواقع منهم في قولهم إنما أنت مفتر ومآله إلى الحصر الإضافي، وهذا على عموم المشار إليه على ما صرح به شراج الكشاف وجوز إرجاعه إلى كون الإشارة لقريش أو إليهما والإشكال بأنّ أحد الحصرين مناف للآخر مدفوع بأن معنى حصره في الكفرة عدم تجاوزه عنهم إلى غيرهم، وهو لا يقتضي وجوده في كلهم والفائدة في ضم قريش الموصوفين به، والحكم على الكل الإشارة إلى أنّ منشأ التكذيب الكفر المشترك بينهم، وأن من لم يكذبه منهم في قوة المكذب مستحق لما يستحقه مع أنّ الظاهر أنّ هذا الإشكال لا ورود له رأساً لأن الحصر على الوجوه الأربعة غير حقيقي فلا ينافي آخر مثله فتأمل. قوله :) أو الكاملون في الكذب ( هذا هو ثاني الوجوه الأربعة، والتعريف للجنس الادعائي بجعل ما عداه كأنه ليس بكذب بالنسبة إليه على ما مر، وهذا أبلغ من جعله للعهد كما مر، وقوله أو اللذين عادتهم الكذب كما تدل عليه الاسمية، ولذا عطف على الفعلية وبه اندفع الاستدراك لأنه كقولك كذبت يا زيد وأنت كاذب يعني أنّ عادتهم الكذب فلذلك اجترؤوا على تكذيب آيات الله لأنه لا يصدر مثله إلا ممن عرف بالكذب، وفيه قلب حسن لأنه إشارة إلى أنّ قريشا لما كان عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله ومن أتى بها حتى نسبوا من شهد له بالأمانة، والصدق إلى الافتراء وقوله أو الكاذبون في قولهم إنما أنت مفتر فهو تقييد للكذب. قوله :( بدل من الذين لا يؤمنون الخ ) أي بدل من الذين لا يؤمنون بآيات الله في قوله إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وقوله وأولئك هم الكاذبون اعتراض أي بين البدل والمبدل منه كما في الكشاف، واعترض عليه أبو حيان وغيره من المعربين بأنه يقتضي أنه لا يفتري الكذب إلا من كفر بعد إيمانه والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن مطلقأ، وهم أكثر المفترين وأيضا البدل هو
المقصود والآية سيقت للرد على قريش وهم كفار في أصلهم وأجيب تارة بأنّ المراد بعد تمكنهم من الإيمان كقوله :﴿ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ١٦ ] كما مر تحقيقه وردّ بأنّ قوله إلا من كره يأباه ودفع بأنّ التمكن منه أعم من التمكن من إحداثه وابقائه ولا يخفى ما فيه من التكلف وتارة بأن المعنى من وجد الكفر فيما بينهم بعد الإيمان تعييرأ على الارتداد أيضاً بجعله كأنه صدر!هم لارتضائهم له كبنو فلان فتلوا قتيلأ وتارة بأنّ المراد من بعد تصديقه بآيات أدئه وأيد بأنه مناسب للمبدل منه، وكون المشار إليه أهل مكة الذين جحدوا بها واستيقنتها أقسهم، ولا يخفى ما في هذا كله، وأنه غير ملائم لسبب النزول، ولك أن تقول أقرب من هذا كله أن يبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف، وأنّ هذا تكذيب لهم على أبلغ وجه كما يقال لمن قال إن الشمس غير طالعة في يوم صالح هذا ليس بكذب لأنّ الكذب يصدر فيما قد تقبله العقول، ويكون هذا على الوجه الأوّل، وهو قوله لا يهديهم إلى الحق فالته تعالى لما لم


الصفحة التالية
Icon