ج٥ص٦٩
الأوّل للأوّل والثاني للثاني.
قوله :( هو آخر أعماركيم المقدّرة الخ ) التقدير التعيين ببيان المقدار، وهو المراد بالتسمية
كما مرّ في الأنعام، وقوله أولا يهلككم معطوف على يعشكم فيكون على هذا الخطاب لجميع الأمّة بقطع النظر عن كل فرد فرد والأجل المسمى آخر أيام الدنيا والاستئصال إهلاكهم جميعا من أصلهم كما وقع لبعض الأمم. قوله :( والآرزاق والآجال وإن كانت متعلقة بالأعمال الخ ( إن أراد تعليقها بها في الأحاديث كما ورد صلة الرحم تزيد في العمر، وكذا ما ورد بزيادة الرزق مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة فالمراد الجمع بين تلك الأحاديث، وما في الآية من جعله مسمى معينا لا يقبل التغيير بالزيادة والنقص ومحصله إنّ الله لما علم صدور تلك الأعمال وعدمه كان الأجل مسمى في علم الله بالنسبة إلى كل أحد فلا منافاة بينهما وإن أراد في الآية فلأنّ قوله يمتعكم الخ بمعنى أنه يحييهم حياة هنيئة، ولا يكون ذلك إلا بالرزق، وهو جواب الأمر فقد علق فيه ذلك على تلك الأعمال مع أنه ذكر أنه مسمى فأجاب بأنه عالم بصدورها، وعدمه فلا ينافي ذلك تسميتها وتعيينها فلا وجه لما قيل إنه ليس في الآية تعليق الآجال بالأعمال بل تعليق حسن العيش وأنّ ذلك لم يعلم من الآية بل من الحديث. قوله :( ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله الخ ( يعني الفضل الأوّل بمعنى الزيادة في أمور الدين، وقريب منه ما في الكشاف أنه الفضل في العمل فليس الثاني عينه فلذا قدر بجزاء فضله وثوابه يعني من له زيادة في الدين له زيادة في الجزاء والثواب لأنّ الأجر يزيد بزيادة العمل وقوله في الدنيا والآخرة وفي نسخة أو الآخرة وهي للتنويع بدليل قوله خير الدارين يعني أنه ينعم عليه في الدنيا والآخرة فلا يختص إحسانه بإحدى الدارين وضمير فضله على ما ذكره المصنف رحمه الله لكل، وقد جوّز أن يعود إلى الرب فالمراد الثواب، ولذا لم يفسره المصنف رحمه الله تعالى به كما في الكشاف، وقد قيل إن في الآية لفا، ونشراً وانّ التمتع الحسن مرتب على
الاستغفار، دمايتاء الفضل مرتب على التوبة والوعد ظاهر وكونه للموحد الثابت من قوله يمتعكم إلى أجل لأنه يقتضي ثباتهم على ذلك إلى الموت. قوله :) وإن تتولوا الخ ( يعني أنه مضارع مبدوء بتاء الخطاب لأنّ ما بعده يقتضيه وحذفت منه إحدى التاءين والتولي الإعراض! أي إن استمرّوا على الإعراض، ولم يرجعوا إلى الله واليوم الكبير يوم القيامة لكبر ما فيه، ولذا وصف بالثقل أيضا أو المراد به زمان ابتلاهم الله فيه في الدنيا وقراءة تولوا قراءة عيسى بن عمرو اليماني من الشواذ وقيل إن تولوا ماض غائب والتقدير فقل لهم إني الخ لأنّ التولي صدر منهم واستمرّ وهو خلاف الظاهر فلذا لم يلتفت إليه المصنف رحمه الله تعالى. قوله :) رجوعكم الخ ( يعني أنه مصدر ميمي وكان قياسه فتح الجيم لأنه من باب ضرب فقياسه ذلك كما علم في علم الصرف وقوله فيقدر على تعذيبهم أشدّ الخ لأنه وصف بالقدرة العظيمة فيقدر على كل عظيم وكبر اليوم لكبر ما فيه وعظمه فلهذا كان هذا تقريراً، وتأكيداً له. قوله :) يثنونها عن الحق وينحرفون عنه الخ ( في هذه اللفظة ثلاث عشرة قراءة المشهور منها، وهي قراءة الجمهور يثنون بالياء المفتوحة مضارع ثناه يثنيه، وأصله يثنيون فأعل الإعلال المعروف في نحو يرمون، وثناه معناه طواه وحرفه وفسر المصنف رحمه اللّه تعالى هذه القراءة بوجوه الأوّل أنه كناية أو مجاز عن الاعراض عن الحق فمتعلقه محذوف أي يثنونها عن الحق لأن من أقبل على شيء واجهه بصدره ومن أعرض حرفه عنه أو المراد أنهم يضمرون الكفر وعداوة النبيّ ﷺ فثنى الصدر مجاز عن الإخفاء لأن ما يجعل داخل الصدر فهو خفيّ، ومتعلقه على الكفر ومغايرته لما قبله في المعنى والمتعلق ظاهرة لا مجزد التعذي بعن وعلى كما قيل وقوله أو يولون ظهورهم تفسير ثالث وهو حقيقة على هذا لا! من ولى أحداً ظهره ثنى عنه صدره، والمعنى أنهم إذا رأوا النبيّ رسول الله ﷺ فعلوا ذلك فهو تفسير للمعنى الحقيقيّ بلازمه لأنه أوضح. قوله :) وقرئ يثنوني بالياء والتاء من اثنوني ) كاخلولي فوزنه يفعوعل وهو من أبنية المزيد الموضوعة للمبالغة لأنه يقال حلا فإذا أريد المبالغة قيل احلولي وهو لازم فصدورهم فاعله ومعناه ينطوي أو ينحرف انطواء وانحرافا بليغاً، وهو على المعاني السالفة في قراءة الجمهور والقراءة بالتاء لتأنيث الجمع وبالياء التحتية لأنّ تأنيثه غير حقيقيّ، وهذه القراءة