ج٥ص٧١
فنزلت فعلى هذا ليستخفوا متعلق بيثنون قيل فغاية ما يوجه به كلام المصنف رحمه الله في عدم التقدير أنه لما جعل سبب النزول ما ذكر جاز تعلق اللام بيثنون وصح التعليل، وهو قريب مما قاله أبو حيان رحمه الله تعالى إلا أنه جعل الضمير للرسول ﷺ وعلى ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى يجوز أن يكون له ولله، وإنما خصه بالله بناء على ظاهر قوله :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ لكنه ترك لما ذكره من المعاني الثلاثة ليثنون واختيار لمعنى آخر، وهذا ليس بشيء بل هو على المعاني المذكورة لكنه في الوجه الأخير يكون الضمير للرسول ﷺ، وليس في كلامه ما ينافيه فتدبر. قوله :( قيل إنها نزلت الخ ) قال السيوطيّ الثابت في صحيح البخاريّ أنها نزلت في ناس من المسلمين كانوا يستحيون أن يتخلوا أو يجامعوا فيفضوا بفروجهم إلى السماء فعلى هذا ثنى الصدور على ظاهره لا مجاز ولا كناية فهو أصح نقلاً مؤيداً ببقائه على حقيقته وكون قيل لتمريضه لا فائدة فيه كالاعتذار بجواز تعدد سبب النزول كما ذهب إليه بعضهم. قوله :( وفيه نظر إذ الآية مكية والنفأق حدث بالمدينة ) قد أجيب عنه بأنّ القائل به لم يرد بالنفاق ظاهره بل ما كان يصدر من بعض المشركين الذين كان لهم مداراة تشبه النفاق، وأيضاً أنه كان بمكة منافقون ) كالأخنس " ( ٣ ) فإنه كان يظهر الإيمان وبضمر الكفر ولا فرق بين فعله وفعل منافقي المدينة حتى لا يسمى منافقاً نعم النفاق كان بمكة لكن لم يكن في مكة طائفة ممتازون عن سائر المشركين، وأمّا حديث أنّ النفاق كان بالمدينة والإشكال بأنّ السورة مكية فغير مسلم بل ظهوره إنما كان فيها،
والامتياز إلى ثلاث طوائف وقع بها، وقد صرّح به في الكشاف في قوله ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ولو سلم فلا إشكال بل يكون على أسلوب قوله كما أنزلنا على المقتسمين إذا فسر باليهود فإنه إخبار عما سيقع، وجعله كالواقع لتحققه وهو من الإعجاز فكذا ما نحن فيه هكذا حقق في الكشف. قوله :( ١ لا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم ) أي يلتحفون بما يلتحف به النائم كما ذكره في الرواية السابقة، وقوله يستوي في علمه الخ إشارة إلى أن ذكر علم العلانية بعد علم السرّ لبيان أنهما في علم الله سواء، والا لم يكن في ذكره مؤخراً فائدة، وقوله ما عسى يظهرونه عسى مقحمة، وقد تقدم بيان هذا كله، وحين ناصبه تريدون مضمرا كما مرّ، وقدّره أبو البقاء يستخفون، وقيل ناصبه يعلم، ولا يلزم منه تقييد علم الله لأنّ من يعلم هذا يعلم غيره بالطريق الأولى، وما في ما يسرّون مصدرية أو موصولة عائدها محذوف. قوله :( بالآسراو ذات الصدور الخ ) يعني المراد بذات الصدور إمّا الأسرار أو القلوب، وأحوالها بجعلها لاختصاصها بالصدور كأنها صاحبة للصدور مالكة لها، وليست الذات مقحمة كما في ذات غد ولا من إضافة المسمى إلى اسمه كما توهم. قوله :( غذاؤها ومعاشها الخ ( المراد بالدابة معناها اللغوي، وهو كل ما دلت على الأرض باتفاق المفسرين هنا لا المعنى العرفيّ، واحتج بهذه الآية أهل السنة على أنّ الحرام رزق، وألا فمن لم يأكل طول عمره إلا من الحرام لا يصل إليه رزقه ثم إن الآية تحتمل أن يراد بها أنّ الله تعالى يسوق إلى كلى حيوان رزقه فيأكله فورد النقض بحيوان هلك قبل أن يرزق شيئا، ودفع بأنّ المراد كل حيوان يحتاج إلى الرزق يرزقه الله وما ذكر ليس كذلك لكن ينتقض بحيوان لم يرزق، ومات جوعا، ودفع بأنّ المراد كل حيوان جاءه رزق فمن الله كما نقل عن مجاهد لكن لا يبقى فيها استدلال لما استدلّ عليه أهل السنة بها، ولا يبقى المحذور المذكور فتدبر. قوله :( وإنما أتى بلفظ الوجوب الخ ) يعني أنّ على تستعمل للوجوب، ولا وجوب على الله عند أهل الحق على ما بين في الكلام فأجاب المصنف بأنه لتحققه بمقتضى وعده كان كالواجب الذي لا يتخلف فينبغي لمن عرف ذلك التوكل على الله فكلمة على المستعملة للوجوب مستعارة استعارة تبعية لما يشبهه، ويكون من المجاز بمرتبتين، ولا يمنع من التوكل مباشرة الأسباب مع العلم بأنه المسبب لها، وفي الكشاف أنه لما ضمنه الله، وتكفل به صار واجبا في المرتبة الثانية فلا منافاة كما في نذور العباد فإنها تصير واجبة بالنذر بعدما كانت تبرّعا، وقال الإمام الرزق واجب بحسب الوعد، والفضل والإحسان، ومعناه أن الرزق باق على تفضله لكنه لما وعده، وهو لا يخل بما وعد صوّر بصورة الوجوب لفائدتين إحداهما


الصفحة التالية
Icon