ج٥ص٧٤
فقد ظهر أن تعليق الفعل في الآية إنما هو على تقدير أعمال فعل البلوى، وعدم تعليقه على تقدير أعمال العلم فلا منافاة قطعا، وقيل التعليق هنا بمعنى تعليق فعل القلب على ما فيه استفهام، وهو بهذا المعنى خاص بفعل القلب من غير تخصيص بالسبعة المتعدية إلى مفعولين، وهو في الاستفهام خاصة دون ما فيه لام الابتداء ونحوها صرّح به ابن الحاجب فلا ينافي ما في سورة الملك من أنه ليس بتعليق لأنّ مفعوليه مذكوران فإنما نفى التعليق بالمعنى المشهور، وأمّا الحمل على الإضمار هنا، والتضمين ثمة للعلم، وأنه حمل في كل منهما على وجه للتفنن فلا وجه له بعد تصريح الزمخشري بأنه استعارة، وحاصله أنّ التعليق له معنيان مصطلح، ويعد! بعن، وهو المنفيّ ثمة ولغوقي، ويعدى بالباء، وعلى وتعليقه أن يرتبط به معنى واعرابا سواء كان لفظا أو محلا، وهو المثبت ورد حمل أحدهما على الإضمار، والآخر على التضمين لأنّ عبارته تأبا. وأت قوله تضمن معنى العلم فالمراد أنه يدل عليه فهو كأنه في ضمته بدليل أوّل كلامه فلا ينافيه كما توهم فقد علمت أنّ في التوفيق في الكلامين ثلاثة طرق لهم، ولكن الفضل للمتقدم.
( والتحقيق ) عندي أنه هنا جعل قوله ليبلوكم أيكم أحسن عملاً بجملته استعارة تمثيلية فتكون مفرداته مستعملة في معناها الحقيقي معطاة ما تستحقه، وفعل البلوى يعلق عن المفعول الثاني لأنه لا يكون جملة إذ هو يتعدى له بالباء، وحرف الجرّ لا يدخل على الجمل وإنما جرى فيه التعليق لأنه مناسب لفعل القلوب معنى كما صرّج به ابن مالك في التسهيل، وغيره، وفي سورة الملك جعله مستعارا لمعنى العلم والفعل إذا تجوّز به عن معنى فعل آخر عمل عمله، وجرى عليه حكمه، وعلم لا يعلق عن المفعول الثاني فكذا ما هو بمعناه فسلك في كل من الموضعين مسلكا تفننا، وهو كثيراً ما يفعل ذلك في كتابه فإن قلت هل لاختياره أحد المسلكين هنا والآخر ثمة وجه أم هو اتفاقي قلت له وجه وهو أنه لما ذكر قبله خلق السماوات والأرض وما فيهما من النعم والمنافع ناسب أن يذكر بعده حال العباد في الشكر وعدمه بمقالة اختبارهم للعلم بذلك، ولما ذكر ثمة قبله خلق الموت والحياة ناسب أن يعقب بإظهار ما هم عليه وعاقبة أمرهم، وحسن الظت به يقتضي أنه قصده، وما قيل إنه في غاية السقوط لأنّ القول بتعليق فعل البلوى من غير اعتبار معنى العلم فيه مجرّد اصطلاح ومخالفة لقول المصنف رحمه الله لما فيه من معنى العلم على أن صلوحه لأن يعمل في تلك الجملة مجرّدا عن معنى العلم ممنوع، ولو سلم فمضمونها ليس بمختبر به فكيف يكون معلقاً بهذا الاعتبار لأنّ المختبر به
خلق السماوات والأرض دونه كلام ناشىء من قلة التدبر والتتبع، وكيف يكون مجرّد اصطلاح وقد كال في التسهيل شارك أفعال القلوب ما وافقهن معنى أو قاربهن لا ما لم يقاربهن خلافاً ليونس، وأمّ قوله لما فيه من معنى العلم فالمراد أنه طريق للعلم كالنظر والسؤال كما صرّج به
لا أنه مستعمل في معناه، وأمّا منعه في التعليقات فغير مسموع، وأمّا أنه غير مختبر به فعلى طرف الثمام لأنهم اختبروا بما في السماوات والأرض من المنافع فظهر حسن العمل من غيره فما يترتب على المختبر به مختبر عنه، وجعله مختبرأ به باعتبار ترتبه عليه، ثم إن قال إن المفهوم من كلام الكشاف في سورة الملك اختصاص التعليق بأفعال القلوب المتعدية لاثنين، وقال فيما نقل عنه إنّ من شرط التعليق عند النحاة أن لا يذكر شيء من المفعولين كقولك علمت أيهم أخوك، وعلمت لزيد منطلق فلو قلت علمت القوم أيهم أفضل لا يكون تعليقاً، ولذا لم يكن ليبلوكم منه أيضاً فقد نصى على أنه يختص بالأفعال السبعة وبالمفعولين دون الثاني وحده فيشكل بأن الرضي صرّح بخلافه فيهما، ولذا قال في إيضاح المفصل أن تخصيصه بهذه الأفعال ظاهره غير مستقيم، وغاية ما يقال في توجيهه أن جواز تعليق المتعدي إلى واحد مختلف فيه، ومختاره المنع، وما يتعدى إلى اثنين بال!ضمين فيرجع إلى الأفعال السبعة، وأما التعليق عن المفعول الثاني فقد زيفه في الملك بما لا مزيد عليه، والحق حقيق بأن يتبع انتهى
( قلت ) هذا كله ناشىء من قلة التتبع فإنه قال في شرح التسهيل زعم ابن عصفور أنه لا يعلق فعل غير علم وظن حتى يضمن معناهما ويعمل عملهما، واختلف في التعليق عن المفعول الثاني وحده فقال جماعة من المغاربة نعم