ج٥ص٧٨
الانكاري كما في الحديث :" لعلنا أعجلناك ) ( ١ ) وان سلم فهو لتوقع الكفار فإنه قد يكون لتوقع المتكلم، وهو الأصل لأنّ معاني الانشا آت قائمة به، وقد يكون لتوقع المخاطب أو غيره ممن له تعلق، وملابسة بمعناه كما هنا فالمعنى أنك بلغ بك الجهد في تبليغهم أنهم يتوقعون منك ترك التبليغ لبعضه، ولو سلم أن المتوقع منه هو النبيّ ﷺ فلا يلزم من توقع الشيء وقوعه، ولا ترجح وقوعه لوجود ما يمنع منه وعلى هذا اقتصر المصنف رحمه الله
تعالى، وتوقع ما لا يقع منه المقصود تحريضه على تركه، وتهييج داعيته كما أشار إليه في الكشاف وسيأتي جواب آخر عن هذا، وقوله تترك الخ إشارة إلى أنّ المراد باسم الفاعل المستقبل ولذلك عمل، وأنّ المراد ترك تبليغهم لا مطلق التبليغ، وما يخالف كالطعن في آلهتهم، والخيانة في الوحي كتمه والتقية الترك للخوف، والترك في بعض الأحيان لداع ليس بخيانة لأنه لا يوجب الفوت فيرتفع الوثوق به ويفوت مقصود البعثة، وقوله أن يكون ما يصرف الخ. كان تامّة وفي بعض النسخ أقوى فهي ناقصة. قوله تعالى :( ﴿ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾ ( قيل : هو معطوف على تارك سواء كان جملة أو مفردا ورد بأنّ هذا واقع لا متوقع قالوا وحالية، وفيه نظر لأنّ ضيق صدره من الموحى به أن حمل على ظاهره ليس بمتوقع أيضا وإنما يضيق صدره لما يعرض في تبليغه من الشدائد، وهذا بناء على ما فسروه فإن قلت إذا كان المعنى كأني بك ستترك بعض ما أوحي إليك وشق عليك أذني ووحيي أيضاً، وهو أن يرخص لك فيه كما أمر الواحد بمقاومة عشرة، ثم أمروا بمقاومة الواحد لاثنين، وغير ذلك من التخفيفات لم يكن فيه محذور أصلا قلت يأباه قوله أن يقولوا الخ نعم لو أريد ترك الجدال بالقرآن إلى الجلاد، والضرب والطعان لأنّ هذه السورة مكية نازلة قبل الأمر بالقتال صح فتأمّله، وعدل عن ضيق الصفة المشبهة إلى اسم الفاعل ليدلّ على أنه مما يعرضى له لأنّ الله تعالى شرح صدره، وكذا كل صفة مشبهة إذا قصد بها الحدوث تحوّل إلى فاعل فيقولون في سيد سائد وفي جواد جائد وفي سمين سامن قال :
بمنزلة أمّا اليتيم فسامن وأمّا كرام الناس باد شحومها
وظاهر كلام أبي حيان أنه مقيس وقيل إنه لمشابهة تارك ومنه يعلم أنّ المشاكلة قد تكون حقيقة وقول المصنف رحمه اللّه تعالى، وعارض! لك أحيانا إشارة إلى دلالته على الحدوث، ومنه تعلم أنّ المشاكلة غير مناسبة للمقام. قوله :( بأن تتلوه عليهم مخافة أن يقولوا الخ ) بأن متعلق بعارض أي عارض بسبب تلاوته وهو تفسير لقوله به فالضمير للقرآن، وهو ما يوحى، وأن يقولوا في محل نصب أو جرّ على الخلاف في أن وأن وما معهما بعد حذف المضاف أو حرف الجز، وقيل تقديره لئلا يقولوا أو بأن يقولوا أو كراهة أن يقولوا وقال أبو البقاء رحمه اللّه تعالى : لأن يقولوا أي لأن قالوا فهو بمعنى الماضي قيل ولا حاجة إليه، وكيف يذعي ذلك، ومعه ما هو نص في الاستقبال يعني أن ( قلت ( بل إليه حاجة، وهو أنه روي في سبب النزول
أنهم قالوا اجعل لنا جبال مكة ذهبا أو ائتنا بملائكة يشهدون بنبوّتك إن كنت رسولاً، وروي أن كلا قالته طائفة، وقيل القائل ابن أمية، ولذا قيل إن تقدير كراهة أولى من تقدير مخافة لوقوع القول إلا أن يراد مخافة تكريره، وعلى الجمع يحتاج الإنزال إلى التأويل ( قلت ) الظاهر أنّ التقدير أن يقولوا مثل قولهم لولا الخ، وحينئذ لا يرد شيء، ولا تخرج أن المصدرية عن مقتضاها، وقوله وقيل الخ معطوف على ما قبله بحسب المعنى لأنه في قوّة أن يقول الضمير للقرآن يعني لما يوحى الدال عليه، وقوله ولا عليك أي لا بأس عليك، واسم لاسمع حذفه في مثله، وقوله يضيق به صدرك جمل حالية، وهي المستفهم عنها في الحقيقة وقوله فتوكل الخ تفريع عليه لأنه بمعنى قائم بكل أمر وحافظ له. قوله :( أم مئقطعة والهاء لما يوحى ) ذكروا فيها وجهين أحدهما أنها منقطعة فتقدر ببل، والهمزة الإنكارية أي بل أيقولون وقيل إنها متصلة، والتقدير أيكتفون بما أوحينا إليك أم يقولون إنه ليس من عند الله، والأوّل أظهر، ولذا اقتصر عليه المصنف. قوله :( في البيان وحسن النظاً تحدّاهم أوّلاً الخ ) دفع لسؤال، وهو أنه قد سبق التحدي بسور من مثله في البقرة، ويونس فما وجه التحدي بعد ذلك بعشر سور مطلقاً أو ما تقدم إلى هنا كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأن نوزع فيه بأن بعضها مدنيّ وهذه مكية، ولا معنى للتحدي بعشر لمن


الصفحة التالية
Icon