ج٥ص٨٨
البيت تشبيه شيء بشيئين، وفي الآية تشبيه كل واحد من شيئين بشيئين فلا مخالفة بين كلام المصنف رحمه الله تعالى، والزمخشري كما توهم، وقوله لتعاميه هذه اللام كاللام السابقة في كلامه، وتأبيه بمعنى امتناعه تفعل من الآباء. قوله :( أو تشبيه الكافر بالجامع الخ ) فعلى هذا فيه تشبيهان لا أربعة لأنه شبه
حال هؤلاء الكفرة الموصوفين بالتصامّ، والتعامي بحال من خلق أصمّ أعمى لعدم انتفاعه بحاستيه فيما يتعلق بسعادة الدارين، وحال هؤلاء المؤمنين لانتفاعهم بهما وامتناعهم مما وقع فيه أولئك بحال قوى حاسة السمع، والبصر لانتفاعه بالنظر لأنوار الهداية، واستماعه لما يلذ وينتفع به السمع من البشارة، والإنذار فهو تشبيه مركب من جانب المشبه به لا المشبه كما ينبني عليه لفظ المثل، وهذا من بديع التشبيه، وظرائفه الرائقة، وهذا الوجه آثره الطيبي رحمه الله تعالى، والحق معه، ولا نظر لقول صاحب الكشاف أنّ فيه بعد الآن الأعمى قد يهتدي بما سمع من الدلالة، والأصمّ فد يهتدي بما يرى من الإشارة فمن كان أعمى أصمّ لا يقبل الهداية بوجه من الوجوه فهذا أبلغ، وأقوى في التشنيع كما أشار إليه في الكشاف. قوله :) والعاطف لعطف الصفة على الصفة ) يعني على الاحتمال الثاني فالذات واحدة لكن نزل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات فعطف بالفاء كما في البيت المذكور وفي الوجه الأوّل هو من عطف الموصوف على الموصوف واللف في الفريقين لأنه في قوّة الكافرين، والمؤمنين فيكون تقديريا أو ما دل عليه قوله، ومن أظلم ممن افترى الخ. وقوله إنّ الذين آمنوا الخ فهو تحقيقيّ، وقدم ما للكافرين لتقدّمه هنا، ولأنّ السياق لبيان حالهم والنشر في قوله كالاً عمى الخ. والطباق هو الجمع بين الضدين، وهما الأعمى، والبصير والأصم، والسميع. قوله :( الصابح فالنانم الخ ( أصل هذا أنه لما قال الحرث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان يتوعد ابن زيابة التيمي :
أنا ابن زيابة أن تلقني لاتلقني في النعم العازب
وتلقني يشذ بي أجرد مستقدم البركة كالراكب
فأجابه ابن زيابة بقوله :
يالهف زيابة للحرث الصا بح فالغانم فالآيب
والله لو لاقيته خاليا لآب سيفانا مع الغالب
أنا ابن زيابة أن تدعني آتك والظن على الكاذب
قوله : يا لهف الخ أي يا حسرة أبي لأجل هذا الرجل، والصابح المغرّ في وقت الصباح، والآيب الراجع وقد تقدم تفصيله في سورة البقرة، والشاهد فيه عطف صفات موصوف واحد بالفاء. قوله :( تمثيلاَ أو صفة أو حالاً ) مرّ في البقرة أنّ المثل كالمثل في الأصل بمعنى النظير ثم استعير لقول شبه مضربه بمورده، ولا يكون إلا لما فيه غرابة فلذا استعير في المرتبة الثانية
لأنّ الأولى صارت حقيقة عرفية للقصة أو الحال أو الصفة العجيبة كقوله :﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ١٧ ] أي حالهم العجيبة الشأن، وقوله وله المثل الأعلى أي الصفة العجيبة فلذا فسره المصنف رحمه الله تعالى بهذه المعاني الثلاثة فتأمّل، ونصبه على كل فها على التمييز المحول عن الفاعل، وقوله على إرادة القول، وتقديره قائلا اني لكم الخ. أو فقال وقدر في قراءة الفتح الجارّ، والمعنى ملتبسا بالإنذار أي بتبليغه وقوله. قوله :( بدل من أني لكم أو مفعول الخ ) البدلية على قراءة الفتح، وأمّا على الكسر فيجوز أن تكون مصدرية سولة لأرسلنا بتقدير بأن أي أرسلنا بنهيهم عن الإشراك قائلاً أني لكم نذير مبين أو مفسرة بحاليها من تعلقها بأرسلنا أو بنذير، وعلى الإبدال فإن مصدرية، ولا ناهية والقول مقدر بعد أن والتقدير أرسلناه يقول إني لكم نذير بقول لا تعبدوا، وهو بدل بعض أو كل على المبالغة، وادّعاء أنّ الإنذار كأنه هو فإن لم يقدر القول فهو بدل اشتمال كذا حققه الشارح المدقق، وقيل عليه أنه على تقدير القول بدل اشتمال أيضاً إذ لا علاقة بينهما بجزئية أو كلية حتى يجعل بدل بعض أو كل، وهو غفلة عن أنه على تقدير القول يكون قوله أني أخاف المعلل به النهي من جملة