ج٥ص٩٤
المسألة مستقلة. والسؤال الذي أورده يرد على
المصنف رحمه الله تعالى، لكنه مدفوع، أمّا إن قلنا بجواز تقدم الجواب كما هو مذهب الكوفيين فظاهر، وان لم نقل به أيضاً فالمقدر في قوّة المذكور، والكثير في توالي شرطين بدون عاطف تأخره سماعا فيقدر كذلك، ويجري عليه حكمه فتأمّل، فليكن ما نحن فيه مما اختلف فيه الفقهاء على ما ذكره المصنف رحمه اللّه تعالى، وحاصله كما قال العلامة : إن قوله :( ﴿ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ﴾ ) شرط جوابه محذوف يدل عليه لا ينفعكم نصحي، وهذا الدال في حكم المدلول عليه وهو الجزاء، أي هذا الدال هو الذي يقدر جزاء، حتى يكون التقدير إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي، لكن هذا الجزاء ليس مطلقاً بل مقيدا بشرط، وهو إن أردت أن أنصح لكم، فحاصل التقدير إن كان الله يريد أن يغويكم لا ينفعكم نصحي، إن أردت الخ. والحاصل أنّ المصنف رحمه الله تعالى جعل قوله لا ينفعكم دليل الجواب على امتناع تقدّمه، وهو الأصح والجملة كلها جواب الثاني، فيكون الكلام متضمنا لشرطين مختلفين، أحدهما جواب للآخر، وجعل المتأخر في الذكر متقدما في المعنى، بناء على أنه إذا اعترض شرط على شرط، ولا عاطف كان الثاني في نية التقديم، وهي المسألة المختلف فيها بين الفقهاء، وجعل جار اللّه لا ينفعكم دليل جواب إن كان الله، وجعل إن أردت قيدأ للجواب على ما قيل إنه مراده، فهي عنده شرطية واحدة مقيدة، فليس نظير المسألة المذكورة، وفائدة التقييد عنده ظاهرة، فلا وجه ل!ما قيل إنه لا فائدة فيه على ما ذهب إليه.
قوله :( ولذلك نقول الخ ) قال الإمام هذا الشرط المؤخر في اللفظ مقدّم في الوجود، فإذا
قال الرجل لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار، كان المفهوم منه أنّ ذلك الطلاق من لوازم الدخول، فإذا قال بعده إن أكلت الخبز كان المعنى على أنّ تعلق ذلك الجزاء بذلك الشرط الأوّل، مشروط بحصول هذا الشرط الثاني، والشرط مقدم على المشروط في الوجود، فعلى هذا إن حصل الشرط الثاني تعلق الجزاء بذلك الشرط الأوّل، وان لم يحصل الثاني لم يتعلق الجزاء بذلك الشرط الأوّل. قوله :( وهو جواب لما أوهموا الخ ) الإيهام مأخوذ من قوله أكثرت جدالنا، فأجابهم بما حاصله إنّ كلامي نصح وارشاد، لا أنه كلام بلا فائدة، يكون المقصود منه مجرّد الجدال، وإنما لم يفد لأنّ الله سبحانه وتعالى أراد إضلالكم ليهلككم، وقوله : إن أردت أن أنصح لكم، أن أبقى على الاستقبال لا ينافي كونه نصحهم في الماضي، وقيل : إنه مجاراة لهم لاستظهار الحجة لأنهم زعموا أنه ليس بنصح إذ لو كان نصحا قبل منه. قوله :( وهو دليل على أن إرادة اللّه تعالى الخ ) هو رذ لمذهب المعتزلة، ولقول الزمخشري إنّ الإغواء قبيح لا يصح أن يصدر عنه تعالى، ولا يريده وان وقع نحوه بدون الإرادة منه، لكنه قيل عليه
إنّ الشرطية لا تدلّ على وقوع الشرط، ولا جوازه فلا يتم الاستدلال به ولا يحتاج إلى التأويل الآتي، ودفع بأن المقام ينبو عنه لعدم الفائدة في مجرّد فرض! ذلك، فإن أرادوا إرجاعه إلى قياس استثنائيّ، فإمّا أن يستثني عين المقدم فهو المطلوب، أو نقيض التالي فخلاف الواقع لعدم حصعول النفع. قوله :( وأنّ خلاف مراده محال ) أي بالغير لا بالذات، وإلا لم تصدق الشرطية الدالة على لزوم الجواب للشرط، قيل ولو قال : بدل هذا وأنّ مراده لا يتخلف عن إرادته، كان أظهر لقولهم إيمان الكافر مراده تعالى، وخلاف مراده نفع النصح لهم، وان كان صريح النظم أنّ الإغواء مراده، لأنّ عدم نفعه لازم للإغواء، وارادة الملزوم إرادة للازمه. قوله :( وقيل إن يغويكم أن يهلككم الخ ( هذا من تفاسير المعتزلة للجواب عن مخالفة الآية لمذهبهم، فتارة قالوا المراد هذا، وتارة قالوا سمي ترك إلجاء الكافر وتخليته، وشأنه إغواء، وكلاهما مخالف للظاهر المعروف في الاستعمال، وغوى بكسر الغين وفتح الواو كرضي رضا كما في القاموس، والبشم كالتخمة من كثرة شرب اللبن، والفصيل ولد الناقة، ومنهم من جوّز أن يكون إن نافية، فتدل على مدعي المعتزلة، ولا ينبغي حمل كلام الله عليه لبعده. قوله :( خالقكم والمتصرّف فيكم وفق إرادته ( أي على وفق إرادته فهو منصوب بنزع الخافض، ووفقها ما يوافقها، والرب بمعنى الخالق والمربي، والتصرّف المذكور لازم لمعناه، فلذا فسر بما ذكر، ولم يرد أنّ الإغواء من تصرّفاته الموافقة لإرادته، حتى يتوهم أنه جبريل إنه علم عدم استعدادهم، واختيارهم استواء الطريقين على وفق الإرادة التي لا يتخلف عنها شيء، كما زعمت المعتزلة، وقوله فيجازيكم