ج٦ص١٤٦
أما إن كان لكبره ونحوه مما لا ينافي في سماع غيره فلا يرد فإن كان كذلك فقد حمل على أنه جهر به بعد ذلك إظهار النعمة الله عليه وردعا لمن ذكر. قوله :( ولذلك قال ( في قال هنا نوع من البديع يسمى التجاذب أي لكون الاستعجاب اعترافا بأنّ المؤثر فيه كمال القدرة الإلهية دون الوسايط والأسباب العادية لا إنكارا أتى بعده بما يفيد تصديقه في الخبر الذي تضمنه كلامه الاستفهامي التعجبي، إذ قال : الأمر كذلك أي كما اعتقدته وقصدته ولو كان الأمر إنكارا ما استحق التصديق، والجملتان أي الأمر كذلك وقال ربك الخ، مقولا القول بدون عطف لأن الثانية كانت مستأنفة فحكيت على صورتها وأتى بقال ثانيا تحقيقا للحكاية ولو تركت صح وأفاد المقصود. قوله :( أي اللّه تعالى ) إن كان القول بلا واسطة أو الملك إن كان بها، ولا ينافي الأوّل قوله : فنادته الملائكة الخ، لجواز وقوع القول مرّتين بواسطة وبدونها، ويرجح الثاني قوله : قال ربك لسلامته حينئذ عن تفكيك النظم. قوله :( ويجوز أن تكون الكاف منصوبة بقال في قال ربك وذلك إشارة إلى مبهم يفسره هو علتي هين ) أي القول الأوّل مقوله قال ربك هو عليّ هين وكذلك منصوب بالقول الثاني في موقع مصدر له هو صفته، أي قال لزكريا قال ربك هو عليّ هين قولاً مثل ذلك ولفظ ذلك فيه حينئذ إشارة إلى أمر مبهم مفسر بما يعده وكان فيما قبله إشارة إلى قول وعده زكريا تصديقا له، قال في الكشف : الوجه الثاني المجعول فيه اسم الإشارة مبهما يفسره ما بعده يقدر فيه نصب الكاف بقال الثاني لا الأول والا لكان قال ثانيا تأكيداً لفظيا لئلا يقع الفصل بين المفسر والمفسر باجنبيّ وهو ممتنع إذ لا ينتظم أن يقال : قال رب زكريا قال ربك ويكون الخطاب لزكريا والمخاطب غيره كيف وهذا النوع من الكلام يقع فيه التشبيه متقدّما لا سيما في التنزيل من نحو وكذلك جعلناكم أمة كذلك يفعل الله ما يشاء والتقدير، قال رب زكريا قال ربك قولا مثل ذلك القول الغريب وهو عليّ هين على أن قال الثاني مع ما في صلته مقول القول الأوّل إقحام القول الثاني لما سلف، وقد حقق أن الكاف في مثله مقحمة للتأكيد لا تغفل ا هـ، ( قلت ( هذا من دقائق الكشاف وشروحه التي لا توجد في غيره وقد مرّ فيه كلام في سورة البقرة وقد فصله في الكشاف، وشروحه هنا فقال إن الإشارة إلى مبهم مفسر بما بعده كما في قوله : وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع والتشبيه يقع فيه مقدماً وإنه المطرد في التنزيل، وقد حققه الوزير المغربي في شرح قول زهير :
كذلك خيمهم ولكل قوم إذامستهم الضراءخيم...
فقال : قال الجرجاني هي تثبيت للمتأخر وهي نقيض كلا فإنها للنفي، والحاصل أنها متعلقة بما بعدها كضمير الشأن وتستعمل في الأمر العجيب الغريب لتثبيته والظاهر أنه كناية لأن
ماله مثل يكون ثابتا محققا لكنه قطع النظر فيها عن التشبيه فلذا قالوا : إنّ الكاف فيه مقحمة فإن نظر إلى أصله كان فيه تشبيه فلذا قيل : إنه من تشبيه الشيء بنفسه، فتدبر. قوله :( وبؤيد الأول قراءة من قرأ وهو علئ هين ) وهي قراءة الحسن وإنما كانت مؤيدة لأنّ الواو تمنع من التفسير إذ هي لا تعرض! في مثله ولا يجعل مقول القول المحذوت مفسراً لأن الحذف ينافي التفسير وجعلها مؤيدة لا دالة معينة لأنّ توافق القراءتين ليس بلازم وإنما اللازم عدم تعارضهما وتنافيهما. قوله :( أي الأمر كما قلت ) بصيغة الخطاب لزكريا عليه الصلاة والسلام وما قاله هو العقر والكبر فإن كان بصيغة المتكلم أي كما قلت لك في البشارة فالقول المذكور هو المشار إليه بذلك، أو كما وعدت بالبناء للمجهول مع ضمير الخطاب، ويجوز بناؤه للمعلوم مع ضمير المتكلم إذ ما وعده الله هو ما وعده زكريا عليه الصلاة والسلام فلا يتعين الأوّل، كما قيل لكن الداعي لذلك تفسيره بما بعده وستسمع ما فيه وهذا التفسير على الوجه الأوّل والقراءة الثانية، وقوله : وهو على ذلك يهون عليّ فسره بالفعل بناء على أنه مجهول مسند لضمير المخاطب فيكون النظر فيه إلى تنجيز الوعد وهو بالفعل أنسب بخلاف قوله : أو كما وعدت فإنه معلوم مسند لضمير المتكلم وهو الله فلا