ج٦ص١٥١
أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء ألا ترى أنك تقول جئت المكان وأجاءنيه زيد كما تقول : بلغته وأبلغنيه، ونظيره آتى حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ولم تقل أتيت المكان وآتانيه فلان. اهـ. وقد رذه في البحر، وقال : إنّ قوله أنّ الاستعمال غيره لم يقله أهل اللغة والإجاءة تشمل المجيء بالاختيار وبالقسر والإلجاء، وقوله : ألا ترى الخ يرذه أن من يرى التعدية بالهمزة قياسية لا يسلمه ومن رآها سماعية قال : إن ما أنكره مسموع من العرب كما في الصحاح وتنظيره بأتى غير صحيح فإنه بناء على أن همزته للتعدية وأصله أتى وليس كذلك بل هو مما بنى على أفعل وليس منقولاً من أتى بمعنى جاء المتعدي لواحد، ولو كان كذلك لكان مفعوله مفعولاً ثانيا وفاعله مفعولاً أوّل على قاعدتهم في مثله وعلى ما ذكره يكون بالعكس إلى آخر ما ذكره وأطال فيه ( قلت ) ما ذكره غير وارد على الشيخين أمّا قوله : إنه لم يقله أهل اللغة فغير صحيح لأنه قال في مختصر العين وتاج المصادر أجأت الرجل إلى كذا ألجأته إليه ونقله الجوهري عن الفراء فالحق ما قاله السفاقسي : إن الإجاءة مما نقل بالهمزة إلى الإلجاء كما نقل الإيتاء إلى الإعطاء وان احتمل أن يكون مما بني على أفعل لكن الأوّل يرجحه أنّ الأصل اتحاد الماذة والثاني يرجحه أن اختلاف المعنى دليل على اختلافهما، وما ذكره في التعدية إنما يرد على عدم النقل وأمّا عليه فلا لكنه يرد عليه كما في شروح الكشاف وتبعهم الفاضل المحشي أنه يقال : أجأته إذا جئت به كما يقال : بمعنى ألجأته كما في الصحاح وغيره، ويقال : أتاه بمعنى أتى به كما يقال : بمعنى أعطاه ومنه قوله تعالى :﴿ آتِنَا غَدَاءنَا ﴾ [ سورة الكهف، الآية : ٦٣ ] أي ائتنا به كما مرّ فكيف ينكر أيضا ما اعترف به أوّلاً، وأمّا كون أجاء لا يتعدى بإلى كما ذكره السفاقسي فغير صحيح، وقال الراغب : يقال جاءه بكذا وأجاءه قال تعالى :﴿ فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ ﴾ [ سورة مريم، الآية : ٢٢ ] وقيل معناه ألجأها، وإنما هو معدّى عن جاء اه. والظاهر عدم وروده أيضا لأنهما لم يريدا بنقله نقله إلى معنى تغايره بالكلية بل أنهما خصا بأحد فرديهما فإنك إذا ألجأته إلى شيء جعلته جائيا إليه حقيقة أو حكماً كما يشهد له تفسيره بجئت به، وكذا أتيت به فإنه بمعنى ناولته والمناولة نوع من الإعطاء ألا ترى أن مآل أجاءها المخاض إلى جذع النخلة نقلها من مكانها إليه ولا فرق بينه وبين الإلجاء فلا مخالفة فيه ولا تناقض فتدبره. قوله :( مصدر مخضت ) أي بفتح الخاء وكسرها وأصل المخض تحريك سقاء اللبن وهزه ليجتمع زبده وسمنه فاستعمل لطلق الولادة كما ذكره ثم صار حقيقة عرفية فيه، وقوله : وتعتمد عليه حتى تتكي منتصبة والمراد بالعرق أصلها والغصن رأسها ولا خضرة عطف تفسير لقوله : لا رأس لها وهو معه تفسير لقوله : يابسة وإلا فكل نخلة يابسة، وقوله : وكان الوقت شتاء يعني والنخل لا تثمر فيه ولا تتحمل ثمرتها برده فتترك عليه. قوله :( والتعريف إما للجنس ) فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة مدينة معينة ويكفي لتعينها تعينها في نفسها وان لم يعلمها المخاطب بالقرآن، وهو النبي ﷺ كما إذا قلت أكل السلطان ما أتى به الطباخ أي طباخه فإنه المعهود، أو يقال إنها معينة له أيضاً بان يكون الله أراها له ليلة المعراج فإن فيه أن جبريل عليه الصلاة والسلام أنزله ببيت لحم وهو محل ولادة عيسى عليه الصلاة والسلام، فلا يرد عليه ما قيل إنه لا مساغ للعهد هنا فإنه لا بد فيه من علمه للمخاطب وهو مفقود هنا، وقول المصنف رحمه الله : إذ لم يكن ثم عيرها صريح في الجواب الأوّل وما ذكره في العهد غير مسلم مع أنه ليس أبا عذرته والمتعالم بفتح اللام تفاعل من العلم، والخرسة بخاء معجمة مضمومة وراء مهملة ساكنة وسين مهملة ما تأكله النفساء وهو مخصوص بها كالعقيقة لما يذبح عن المولود والوليمة للعرس. قوله :( ولعله الخ ) من آياته أي مما خالف العادة فيها وهو إثمارها بدون رأس وفي إثمارها في وقت الشتاء الذي لم يعهد فيه ذلك، وكونها واحدة ليس معها غيرها يلقح طلعها كما هو المعتاد فهو دليل لها على عدم استغراب
الولادة منها بلا زوج وسبب وأن القادر على إيجاد رطب جنيّ من خشبة يابسة في غير زمانه قادر على هذا، وخصت النخلة بذلك لشبهها بالإنسان كما ذكروه وفيه إشارة أيضا إلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلوة، وأنه عليه الصلاة والسلام سيحيي الأموات كما أحيا الله بسببه الموات وفيه من اللطف أيضاً ما أشار إليه المصنف رحمه الله وهي أنّ النفساء عقب النفاس تطعم طعاماً


الصفحة التالية
Icon