ج٦ص١٦٤
النبؤة وذكر العام بعد الخاص لا يفيد ولذا يقال : عالم نحرير دون العكس، ويحتمل أن يريد أن المراد بالرسول والنبي هنا معناهما اللغوي، وهو المرسل من الله والمنبى عن الله وليس كل مرسل ينبئ لأنه قد يرسل بعطية ومكتوب فلذا قدم وإن كان في موضع آخر يراد به معنى أخص من هذا فينبغي تأخيره فلا يرد عليه أن كونه أخص مقتض لتأخيره أو أنه غير تاثم في التعليل فتأمل. قوله :( من ناحيته اليمنى من اليمين الخ ( إشارة إلى أنه إذا كان المراد من اليمين المقابل لليسار فالمراد به يمين موسى عليه الصلاة والسلام إذ الجبل لا ميمنة له ولا ميسرة وأما إذا كان من اليمن وهو البركة فظاهر، وهو صفة الجانب وجوز فيه الزمخشري على الثاني أن يكون صفة الجانب أو الطور، وتركه المصنف رحمه الله ليتوافق الوجهان. قوله :( بأن تمثل له الكلام من تلك الجهة ( أي جهة اليمين أو الجهة الميمونة فهو راجع إلى الوجهين وقال : تمثل إشارة إلى أن الكلام اللفظي مثال للكلام النفسي فلا يلزم من حدوث المثال حدوث الممثل كما لا يلزم من تمثيل جبريل عليه الصلاة والسلام بصورة دحية رضي الله عنه حدوئه وقت التمثيل، ومن أهل الحق من ذهب إلى أن الذي سمعه موسى عليه الصلاة والسلام كان الكلام القديم بلا حرف ولا صوت ولا جهة كما قيل :
إذا ما بدت ليلى فكلي أعين دمان حذثوا عنها فكلي مسامع...
ولذلك خص باسم الكليم وعليه بنى المصنف رحمه الله كلامه الآتي في سورة طه حيث
قال إنه لما نودي قال من المتكلم قال إنني أنا الله فوسوس إليه إبليس لعنه الله لعلك تسمع كلام شيطان فقال : أنا عرفت أنه كلام الله بأني أسمعه من جميع الجهات وبجميع الأعضاء فلا يرد عليه أن هذا يعين أق كلامه تعالى لا يختص بجهة كما قيل. قوله :( شبهه بمن قربه الملك لمناجاته ( يعني أنه شبه قرب موسى عليه الصلاة والسلام في مناجاته ربه بقرب من قرب لمناجاة عظيم من العظماء، ووجه الشبه كونه كلم بغير واسطة قال بعض شراح الكشاف : وهذا لا ينافي أن يكون مقربا حقيقة، ولهذا قال أبو العالية : قربه حتى سمع صرير الأقلام أو صريف الأقلام بالفاء كما وقع في رواية وهو صوتها في الكتابة، وقوله : مناجيا إشارة إلى أن فعيلا بمعنى مفاعل كجليس لمجالس ونديم لمنادم ورضيع لمراضع، والمناجاة المسارة بالكلام قال الراغب وأصله أن يخلو في نجوة من الأرض ثم استعمل مطلقا، والنجو الارتفاع والنجوة المكان المرتفع وقوله : حتى سمع صرير القلم أي الذي كتبت به التوراة، كما في الكشاف يعني الكتابة الثانية والا فقد وقع في الحديث أنها كتبت قبل خلقه بأربعين سنة. قوله :( من أجل رحمتنا أو بعض رحمتنا ( يعني من يحتمل أن تكون تعليلية وأن تكون تبعيضية، وقوله : معاضدة أخيه وموازرته، يعني على تقدير مضاف فليس معنى وهبناه أوجدناه لأنه كان أكبر منه سنا فوجوده سابق على وجوده ولكن معناه وهبنا له معاضدته أي معاونته بأن جعلناه وزيرا له كما صرح به في رواية أخرى، وإجابة تعليل لقوله وهبنا، وقوله : وهو أي أخاه مفعول لوهبنا إن كانت من تعليلية أو بدل بعض من كل أو كل من كل أو اشتمال وهذا إذا كانت تبعيضية بمعنى بعض وهي مفعول وهبنا ولا يخفى ما فيه لأن كون من اسما لكونها بمعنى بعض خلاف الظاهر، وابدال الاسم من الحرف لا نظير له، ولذا قال في البحر الظاهر أن أخاه مفعول وهبنا ولا يرادف من بعضا حتى يبدل منها، وقيل : التقدير وهبنا له شيئا من رحمتنا فأخاه بدل من شيئا المقدر، إلا أن يقال إنها اسم وليس موجودا في كلامهم، وهرون عطف بيان وجوز فيه البدلية. قوله :( ذكره بذلك ( أي وصفه بذلك دهان كان موجودا في كيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فجعله كاللقب له تشريفا وإكراما ولشهرته بذلك ألا تراه وعد أباه الصبر على الذبح
فصدق وعده ووفى به، وهذا أعظم ما يتصؤر فيه وناهيك بمعنى يكفيك في صدقه هذا فكيف ومعه أمور أخر. قوله :( يدل على أق الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة ( أي مستقلة مأمورا بتبليغها لما ذكر وقد اشتهر خلافه بل اشترط بعضهم فيه أن يكون صاحب كتاب أيضا فهو مبنيئ على الأغلب فيه


الصفحة التالية
Icon