ج٦ص١٧٥
فإن صيغة النذر قد يراد بها اليمين كما صرحوا به، أو المراد بهذه الجملة القسم كقولهم : عزمت عليك إلا فعلت كذا، وورد في الحديث لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم فقال أبو عبيد وتبعه جماعة من المفسرين : إن المراد بالقسم في الحديث قوله :( وإن منكم إلا واردها، الآية واعترضه الأزهرفي في التهذيب بأنه لا قسم فيها فكيف يكون له تحلة، وقيل : إن أصل معناه ولكن لما كان ما يتحلل به يكون أمرا قليلا إن أريد به إيقاع شيء من المحلوف عليه كتر قسمه أو ذكر ما يمنعه من الحنث وهو قوله : إن شاء
الله فعبر به عن القلة، كقول كعب :
وقعهق الأرض تحليل
قال ابن هشام في شرح بانت سعاد اللهم إلا أن يقال إن قوله تعالى :﴿ وإن منكم إلا واردها ﴾ [ سورة مريم، الآية : ١٧١ ] معطوف على ما أجيب به القسم في قوله : فوربك لنحشرنهم الخ وهذا مراد من قال : إن الواو للقسم وفيه بعد وقال السبكيئ : هذا عجيب فإن القسم مقدر في قوله : دمان منكم، ويدل عليه شيآن أحدهما قوله : كان على ربك حتما مقضيا قال الحسن وقتادة قسما واجبا، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، والثاني أن النبي ﷺ فهم منه القسم كما مر في الحديث، ولك أن تقول إنه لا تقدير فيه والمعنى ما قررناه كما مر، أو يقال : الجملة معطوفة على جواب القسم أو حال، وحديث البعد غير مسموع لعدم تخلل الفاصل. قوله :( وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو الخ ( وجه الدلالة أنه لما ذكر أن الجميع واردون لها ثم قسمهم إلى ناج هالى متروك على حالة في الجثي علم أن مقابله جاث لكنه غير متروك على جثيه فجاء ما ذكر، وهو ظاهر والدليل هو قوله : ونذر الظالمين الخ، وقد بين أيضا بأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد نجاتهم وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين، والتركيب يدل على إنجاء المتقين من الورطة التي يبقى الظالمون فيها للتقابل بينهما فدل على أن تلك الورطة هي الجثؤ حولها وأنهما يشتركان فيها وقد كانا اشتركا في الورود فدل هذا على أن المراد بالورود هو الجثيئ وهذا إنما يتأتى بتقدير مضاف في قوله : فيها أي في حواليها بقرينة الجثؤ كما أشار إليه المصنف رحمه الله فمن قال : إنه لا يجري في كلام المصنف رحمه الله لم يصب لكنه قيل عليه إن الجثو إنما يصلح قرينة إن ثبت أنه لا جثؤ في النار وهو غير مسلم وأيد بأن الظالمين لا يتركون حولها بل يدخلون النار، ورد بأق الجثو حول جهنم علم من الآية السابقة فرد هذا إليها والتفصيل بالمعلوم أولى، وليس المراد بالدلالة الدلالة القطعية حتى يخل بها الاحتمال، وقوله : لا يتركون الخ لا دليل فيه، ولا يخفى أن ما اذعاه من الأولوية الظاهر خلافه لأن جثيا نكرة أعيدت فالظاهر أنها غير الأولى لا سيما وقد وقعت فاصلة، وهي كالقافية لا يحسن تكرارها مع ما فيها من التقدير المخالف للظاهر فتأمل. قوله :( أو ببيان الرسول الخ ( أو هنا لمنع الجمع لأن ما هو بين اللفظ والمعنى بنفسه لا يكون مبنيا ببيان الرسول ﷺ، كالمجمل ونحوه لا سيما ومبينة على الأول بمعنى متبينة بصيغة اسم الفاعل وهذا بمعنى مبينة بصيغة اسم المفعولى فلا حاجة إلى القول بأنها لمنع الخلو حتى يقال : إن فيه تغليبا إذا أريد بالآيات جميعها ليخرج المتشابهات، وقوله : واضحات الإعجاز فهو من بأن بمعنى ظهر،
كالأول فلو قدمه كان أظهر وعلى هذا فالإسناد لها مجاز أو بتقدير مضات، وقوله : لأجلهم فاللام للتعليل وقوله أو معهم فاللام صلة القول كقلت له كذا إذا خاطبته به وما وقع في بعض النسخ منهم تحريف. قوله :( موضع قيام أو مكانا ) كان الظاهر أي مكانا لأن أصل معناه الأول ثم استعمل لمطلق المكان كما في الكشاف وما قيل إن أو للتخيير في التعبير والتفسير لا يجدي لأنهما ليسا مترادفين فالظاهر أنه أراد أن المقام محل القيام فإن كان القيام بمعنى المعاش كما ذكره الراغب في قوله : قياما للناس فهو على ظاهره، وإن كان مقابل القعود فهو خاص أريد به عام ففيه زيادة على ما في الكشاف وهو على الأول بمعنى المنزل فتتوافق القراءتان ولا يتكزر مع قوله نديا، ولذا قدمه والندي كالنادي مجتمع لندوة القوم ومحادثتهم، ومنزل إن كان بضم الميم بمعنى النزول فهو عطف على إقامة وإن كان بفتحها فهو عطف على موضع وكان الظاهر نصبه حينئذ. قوله :( والمعنى الخ ( ناظر إلى ما مر


الصفحة التالية
Icon