ج٦ص٢٠٤
لما في من الكلام الأول من دعوى الرسالة في قوله : إنا رسولا ربك يذكر الدليل المثبت لها وهي جملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل به يعلم ذلك ونحوه والاستئناف لا ينافي ذلك وإنما قال : لما تضمنه لأنها لا تقرر قوله : أرسل الخ، وقوله : من دعوى الرسالة بيان لما كان بيناه، وأما كونه بيانا للكلام السابق وما تضنف، هو المجيء بالآية التي لا تنفك عن الرسالة والتضمن هنا بمعنى الدلالة الالتزامية فتكلف ظاهر فإن قلت إذا كان هذا تقريرا لقوله إنا رسولا ربك، كان ينبغي أذ يقرن به قلت قد أشار المصنف إلى دفعه في قوله : وتعقيب الإتيان الخ فلا حاجة إلى القول بأنه من تتمة دعوى الرسالة. قوله :( معه آيتان ( أي العصا واليد بل
آيات كما مر يعني مقتضى المقام بعد الدعوى أن يذكر أن له حجة وبرهانا على مذعاه من غير تعرض لوحدته وكثرته فلذا أفرد في هذه الآية ونظائرها ولو ذكر تعدده كان فضولا. قوله :( وسلام الملافكة الخ ( في الكشاف يريد وسلام الملائكة عليهم الصلاة والسلام الذين هم خزنة الجنة على المهتدين وتوبيخ خزنة النار والعذاب على المكذبين وتحقيقه كما في بعض الشروح أنه جعل السلام تحية خزنة الجنة للمهتدين المتضمنة لوعدهم بالجنة، وفيه تعريض لغيره! بتوبيخ خزنة النار المتضمن لوعيدهم بعذابها لأن المقام للترغيب فيما هو حسن العاقبة وهو تصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام والتنفير عن خلافه فلو جعل السلام بمعنى السلامة، كما في قول عيسى ﷺ : يوم ولدت الخ لم يفد أن ذلك في العاقبة وما قيل أن الدليل على أنه ليس بتحية أنه ليس ابتداء إلقاء ليس بشيء لأنه لم يجعل تحية موسى عليه الصلاة والسلام بل تحية الملائكة فما قيل إنه لا إشعار في اللفظ بهذا التخصيص مع مخالفته لما مر في قوله : والسلام عليئ يوم ولدت الآية غير مسلم. قوله :( أو السلامة في الدارين لهم ( فالسلام مصدر بمعنى السلامة كالرضاع والرضاعة، وقوله : لهم إشارة إلى أن على بمعنى اللام على هذا الوجه كما ورد عكسه في قوله لهم : اللعنة والحروف كثيرا ما تتقارض، وقد حسنه هنا مقابلة المشاكلة في قوله : على من كذب فلا وجه لاستبعاده. قوله :( إن عذاب المشركين الخ ( في عبارته قلق وركاكة وقد اختلفت النسخ وضبطها والمشهور فيها المشركين بثين معجمة وراء مهملة وكاف جمع مشرك والمراد به هنا مطلق الكافر فإنه أحد معنييه ومراده دفع ما يتوهم من حصر العذاب فيهم مع أن غيرهم معذب بأنه إنما يفيده إذا كان التعريف للجنس أو الاستغراق أما إذا كان للعهد والمراد به العذاب المعد للكفرة وهو المخلد فلا يفيده ولو سلم فلا محذور فيه كما إذا جعلته للاستغراق الادعائي مبالغة وهذا معنى قوك الإمام المراد من هذا العذاب العذاب الدائم فكان العذاب المتناهي عنده كلا عذاب وللنظر إلى ظاهرها قال ابن عباس رضي الله عنهما إنها أرجى آية في القرآن، ووقع في بعض النسخ المنزلين بالنون والزاي المعجمة واللام ففي بعض الحواشي بالتثنية وفتح الميم تثنية منزل، والمراد بهما الدنيا والآخرة وجعله مفهوما من مقام التهديد والإطلاق، وهذا يناسب تفسير السلام الثاني وظاهر كلام بعضهم أنه حينئذ منزل بضم الميم أي منزلي العذاب وهم خزنة النار لوقوعه في مقابلة خزنة الجنة وهو بعيد جدا، والمعؤل على النسخة الأولى عندهم، وقواسه : على المكذبين الخ إشارة إلى أن من للعموم ولم يقل والمتولين أول خولهم فيهم. قوله :( ولعل تغيير التظم ( إذ كان الظاهر أن ينفي السلام عن غيره،
والوعيد هو العذاب والتوكيد بأن وقد، وأول الأمر أي أمر الدعوة أنجع أي أنفع وأوفق وأليق بالواقع لأنه معذب لإصراره على كفره وطغيانه وهذا لا ينافي ما مر في قوله تعالى :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ [ سورة طه، الآية : ٤٤ ]، لأنه لم يوجه بهذا ولم يصرح بأنه له ولذا قدم الترغيب فيه على الترهيب. قوله :( أي بعد ما أتياه وقالا له الخ ( خطابهما وجهه ظاهر لأن الكلام معهما وأما كونه لم يقل من ربي فأظهر لأنه لا يعترف بالربوبية في الظاهر، وقوله : لأنه الأصل أي في الدعوة والرسالة ويحتمل أنه لأنه يزعم أنه ربه لتربيته له فهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق، ويجوز أنه لتكبره عن أن يخاطب هرون. قوله :( أو لأنه عرف أن له رتة ( قيل- : يرده ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حيث البيان القاطع