ج٦ص٢١٩
تعالى لكنه ليس لاستدعاء المعرفة من علام الغيوب، بل إما لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه، كما صرح به الراغب في مفرداته وظاهره أنه ليس بمجاز كما يقول التلميذ : سألني الأستاذ عن كذا ليعرف فهمي ونحوه فليس فيه جمع بين الحقيقة والمجاز، حتى يقال الإنكار مستفاد من السياق، ولا يرد عليه أنّ حقيقة الاستفهام محال عليه تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه فالمعنى ما أعجلك متباعداً عن قومك والإنكار بالذات للبعد عنهم، فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة لأنها وسيلة له فاعتذار موسى عليه الصلاة والسلام بخطئه في اجتهاده لظن هذا المقدار من البعد لا يضر كما جرت به العادة لا سيما والحامل عليه طلب مرضاة الله بالمبادرة لامتثال أمره، فالجواب ﴿ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ ﴾ [ سورة طه، الآية : ٨٤ ] الخ تميم كما قيل، ومحصل كلامه تطبيق الجواب على السؤال لما يرى من عدم مطابقته ظاهراً. قوله :( من حبث إنها نقبصة في نفسها ( تعليل للإنكار. وقوله : في نفسها أي بقطع النظر عما يقتضي تحسينها في بعض المواضع كخوف الفوات. وكونه مما ينبغي المبادرة له فلا يرد عليه قوله : وسارعوا إلى مغفرة من ربكم واغفال القوم تركهم، وقوله : وايهام التعظم أي ربما يتوهم أنه يعظم عن صحبتهم. قوله :( أجاب موسى
عليه الصلاة والسلام عن الأمرين ( أي عن السبب والإنكار وقد عرفت ما يرد على السؤال ودفعه، وقوله : وقدم جواب الإنكار في قوله : هم أولاء على أثري فإن محصله أنهم لم يبعدوا عني وان تقدمي على معتاد الناس وظني أن مثله لا ينكر ويعد نقيصة فاندفع ما قيل إنه لا يدفع الإنكار إلا بما بعده وكذا ما قيل إنه على هذا لا وجه للسؤال والإنكار لأنه تعالى أعلم بمرتبة تقدّمه التي هي غير منكرة ولو جعل هذا جوابا عن عدم إغفاله كان أحسن لكنه يفوت وجه التقديم وأهميته لأنّ السؤال سيق له، وترك ما في الكشاف بأنه للمهابة ذهل عن الترتيب اللائق بالجواب لأنه إنما يلتجأ لمثله عند عدم غيره لأنه آخر الدواء، وقيل : لما فيه من إساءة الأدب بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقيل : السؤال في المعنى عن الانفصال الذي يتضمنه أعجلك المتعدي بعن، وقيل : الجواب إنما هو قوله : وعجلت الخ وما قبله تمهيد له فتأمل. وقوله : بخطا يسيرة من قوله : على أثري، والرفقة جمع رفيق وقوله : ببعض لو سقطت الباء كان أولى، وقوله : توجب مرضحاتك أي رضاك بحسب وعدك. قوله تعالى :( ﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا ﴾ الآية ( استئناف كلام وقصة أخرى ولذا أعاد قال : والفاء للتعقيب من غير تعليل أي أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا الخ، وقيل إنها تعليل لما سبق أي لا ينبغي البعد عن فومك فإنهم لحداثة عهدهم بمكان يحيق فيه مكر الشيطان ويتمكن من إضلالهم فإنّ القوم الذين خلفتهم مع أخيك أضلهم السامري فكيف تأمن على هؤلاء، وقوله : ابتليناهم أي أوجدنا وخلقنا فيهم تلك البلية، وقوله : وهم الذين خلفهم إشارة إلى انّ المراد بقوله : قومك غير المراد بما قبله ولذا لم يأت بضميرهم وقد جوّز في الكشف أن يكون عين الأوّل لإعادة المعرفة بعينها لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أوّلاً النقباء وثانياً المتخلفون ومثله كثير فتأمل. وقوله : وقرئ وأضلهم أي بأفعل التفضيل وقوله : أشدهم ضلالاً إشارة إلى أنه من الثلاثي لا من المزيد لكنه يفيده لأنه أشدية ضلاله بالإضلال لأنه ضلال على ضلال. قوله :( فإن صح الخ ( وفي نسخة وان صح يعني إن صح ما ذكر مما يقتضي وقوع قصة السامرفي بعد عشرين من ذهابه لجانب الطور وما في الآية من التعبير بالماضي يقتضي وقوعه قبيل خطاب الله له وخطابه له كان عند
مقدمه للطور فيتعارض ما ذكر في الرواية وما في النظم فأجاب بأن الخطاب عند مقدمه، وأن ما ذكر وقع بعده لكنه عبر عنه بلفظ الماضي لأنه قريب الوقوع مترقب فهو من مجاز الأوّل لا استعارة، وقوله : إن صح إشارة إلى جواب آخر، وهو إنا لا نسلم صحته وإذا سلم فالجواب ما مرّ، وقوله : أقاموا معناه استمرّوا عليه ولم يتعرّض لكون مقدمه قبل عشرين لظهوره لأن قرب المسافة بينهم معلوم، وقوله : وإن هذا وفي نسخة وهذا الخطاب معطوف على قوله إنهم أقاموا : إشارة إلى التردد في صحته لأن الجمهور على أن المكالمة إنما وقعت بعد الأربعين أو في العشر الأخير ويدل عليه قوله : فرجع موسى إلى قومه غضبان وقوله : كان جواب