ج٦ص٢٣٨
أمرا مفترياً ثم عيته بالحساب ثم عدل عن هذا عدولاً تقديريا إلى ما في النظم لما في قوله :﴿ اقْتَرَبَ
لِلنَّاسِ ﴾ من الإجمال ثم البيان للمقترب منهم بأنه الحساب على وجه التأكيد والتصريح بإضافته لضميرهم كما قالوا : أزف للحيّ رحيلهم. وليس هذا بأمر لازم من جهة العربية ولا من جهة تصحيح المعنى وإنما هو بالقياس إلى تراكيب الأوساط والأعالي. قوله :( وخص الناس بالكفار الخ ) قيل إنّ قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ الخ من قبيل نسبة ما للبعض إلى الكل فلا ينافي كون تعريف الناس للجنس كما في قوله :﴿ وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ ﴾ الخ واعترض عليه بأنه نسي ما قدمه في سورة مريم من أنه لا يحسن إسناد فعل أو قول صدر من البعض إلى الكل إلا إذا صدر عنهم بمظاهرتهم أو رضا منهم، ووجه التخصيص الذي ذكره المصنف رحمه الله أنه مأثور عن ابن عباس كما في الكشاف وغيره، وحاول بعض فضلاء العصر التوفيق بين كلاميه بالفرق بين المقامين بأن ما مر فيما إذا لم يكن من صدر عنه الفعل أو القول كثيراً أو أكثر وما هنا في الكثرة فإنها تعطي حكم الكل بدون شرط إلا أن هذا القائل وقع بين كلاميه في سورة طه وسورة السجدة تدافع حيث قال في تفسير قوله تعالى :﴿ أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ ﴾ الآية لا حاجة إلى رضاهم بقوله : في الإسناد إليهم بل يكفي وجود القول منه كقوله :﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً ﴾ [ سورة البقرة، الآية : ٧٢ ] الآية ورد على المصنف قوله القائل أبيّ بن خلف واسناده إلى جميعهم لرضاهم، وأما حمله على إرادة التنافي بين كلامي المصنف حيث فهم مما ذكره في طه عدم ذلك فلا يساعده سياقه، ثم إن قياس قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا ﴾ [ سورة السجدة، الآية : ٠ ا ] على قوله :﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ ﴾ غير تام فإن القتل هناك لما وقع بينهم ولم يعلم القاتل حتى احتمله كل واحد منهم أسند إليهم مع رعاية مشاكلة الجميع الواقعة معه ودلالة التقييد بالأوصاف المذكورة على تخصيص! الناس إنما هو على تفسيرها بما لا يشمل عصاة المؤمنين وهو محتمل والحق أنّ اشتراط ما ذكر ليس بلازم، وإنما اللازم وجه ما كتنزيل البعض منزلة الكل حتى يحسن الإسناد له كرضاهم أو كثرتهم أو عدم تعينهم وشيوعه فيهم إلى غير ذلك من المحسنات. قوله :( في غفلة من الحساب ( قيده به لمناسبته لما قبله ولأنّ من غفل عن مجازاة للّه له المرادة من الحساب صدر عنه كل ضلالة وكل جهالة فلا وجه لما قيل إن الحق أن يعممه لكل غفلة عما لا ينبغي الغفلة عنه، ولما بين الغفلة التي هي عدم التنبه والإعراض! الذي يكون من المتنبه من التنافي قال في الكشاف مشيراً لدفعه وصفهم بالغفلة مع الإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم، أنه لا بد من جزاء للمحسن والمسيء وإذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم، ونفروا وقرّر إعراضهم عن تنبيه المنبه وايقاظ الموقظ بأن الله يجدد لهم الذكر الخ. وحاصله أنه يتضمن دفع ذلك بوجهين، أوّلهما إن غفلتهم عن الحساب وإعراضهم عن التفكر في عاقبتهم،
وأمر خاتمتهم مع اقتضاء العقل لخلافه وهذا ما أشار إليه في أوّل كلامه ولما فيه من رائحة الاعتزال بالإيماء إلى الحسن والقبح العقليين غيره المصنف رحمه الله إلى ما ذكره من أن الغفلة عن الحساب والإعراض! عن التفكر فيه، فلم يتواردا على محل واحد ليحصل التنافي وثانيهما أنّ الغفلة عن الحساب في أوّل أمرهم والإعراض بعد قرع عصا الإنذار وهو على وفق ترتيب النظم واليه أشار بقوله وإذا قرعت الخ وهذا لم يذكره المصنف فإن تلت كلامه يدلّ على أنّ حالهم المستمرّة الغفلة والإعراض! إنما يكون إذا قرعت لهم العصا فكيف هذا وهم معرضون اسمية دالة على الثبوت، قلت لما تكرّر منهم الإعراض حسب تكرار المنبه وقرع العصا جعل كالحال المستمرّة، واليه أشار بقوله : وقرر إعراضهم، وأمّا تمكنهم من الغفلة فمن لفظ في غفلتهم الدال على استقرارهم فيها استقرار الظرف في مظروفه، وإن كان في إفادة الاسمية التي خبرها ظرف للثبوت كلام ووقوعه بعد المنبه من الترتيب وقرينة العقل. وقيل إنّ مراد المصنف رحمه الله أنهم معرضون عن النظر إذا نبهوا عن سنة الغفلة، وذكروا بما يؤول إليه المحسن والمسيء فاندفع توهم التنافي بين الخبرين مع أنّ