ج٦ص٢٤٨
من الخلل بل هو في تقريره حيث أخذ التمانع مقرّراً وعلل بامتناع التطارد، مع أنه لا فرق بينهما في الامتناع فليس الأوّل أقرب إلى الوقوع من الثاني. وقال : بعض علماء العصر لا يخفى أن كلام المتأمل مشعر بعدم التأمّل إذ استحالة التوافق أظهر عند العقل وبهذا توجه العلماء إلى بيان التمانع واشتهرت الحجة ببرهان التمانع وعدم الفرق في أصل إلامتناع وانتفاء القرب إلى الإمكان والوقوع لا يوجب انتفاء أظهريته لامتناع ذلك عند العقل لكن يرد على القائل إنه بمجرد كون استحالة التوافق أظهر عند العقل لا يظهر خلل في العبارة غايته أنه أولى. وقيل : إنّ الحجة المستفادة من الآية إقناعية والملازمة عادية لأنه يرد عليها أنه يجوز أن تتفق الآلهة على أن لا يريد كل منهما إلا ما لا يتعلق بأحد طرفيه إرادة شريكه أو وقع اتفاقهما على إيجاد المراد بالاشتراك لا بالاستقلال، وقد رد بأن الحق أنها قطعية ولا يرد عليه ما ذكر لأنه لا يخلو من أن قدرة كل منهما كافية في حدوث العالم أولاً وعلى الأوّل يلزم اجتماع علتين على معلول واحد وعلى الثاني يلزم العجز. لا يقال إنما يلزم العجز لو أراد الاستقلال ولم يحصل لكن يمكن أن يتفقا على الإيجاد بالاشتراك مع القدرة على الاستقلال كالقادرين على حمل خشبة بالانفراد فيحملانها معا. لأنا نقول تعلق إرادة كل واحد إن كان كافيا لزم المحذور الأوّل والإلزام الثاني والمنع مكابرة والمثال لا يصلح للسندية كما بينوه. وذكر التفتازاني أنه يمكن أن يراد بالفساد عدم التكوّن أي لو تعدد الإله لم تكوّن السماء والأرض وينتقل إليه الكلام السابق سؤالاً وجوابا. وللعلامة الدواني في تقريره كلام يطلب تفصيله من أهله وقرّر الدليل بعض أهل العصر بوجه. قال : إنه أوجه مما عداه وهو أنّ الإله المستحق للعبادة لا بد أن يكون واجب الوجود وواجب الوجود وجوده عين ذاته عند أرباب التحقيق إذ لو غايره لكان ممكناً، وهو مبرهن في محله فلو تعدد لزم أن لا يكون وجوداً، فلا تكون الأشياء موجودة لأنّ موجودية الأشياء بارتباطها بالوجود فظهر فساد السماء والأرض
بالمعنى الظاهر لا بمعنى عدم التكوّن لأنه تكلف ظاهر وفيه تأمّل. قوله :( فسبحان اللّه الخ ( تعجب ممن عبد هذه المعبودات الخسيسة وعدها شريكا مع وجود المعبود العظيم الخالق لأعظم الأشياء والأجسام شامل للعلوية والسفلية فلا يقال إنّ الأظهر أن يقول الإجرام لأنه الشائع في العلويات وكأنه نتيجة لما قبله من الدليل وقوله : محل التدابير الخ فيه تأمّل وقوله : لعظمته الخ تعليل لعدم السؤال. وقوله : والسلطنة لذاته في نسخة الذاتية وإذا كان الضمير للألهة فإمّا أن يراد بها عزير والمسيح ونحوه أو الأعمّ على تقدير إنطاقهم. قوله :( كزره استعظاماً ) الاستعظام عده عظيما والاستفظاع الاستقباج وهذا بناء على أنهما بمعنى لا على أنّ الأوّل مخصوص بالآلهة الأرضية وهذا عام لعموم الدليل السابق وقوله : أو ضما لإنكار ما يكون سنداً الخ هذا بناء على تغايرهما باعتبار تغاير دليليهما فلذا عطف بأو. وذكر السند في النقلي والدليل في العقلي إشارة إليه والسند النقلي من قوله :﴿ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾ لا قوله هذا ذكر الخ والعقليّ من قوله : هم ينشرون كما أشار إليه بقوله على معنى أوجدوا آلهة ينشرون لموتى لا قوله لو كان فيهما آلهة كما قيل لأنّ كلامه ناطق بخلافه. وقوله : الآمر بوزن فاعل مفعول وجدوا. وقوله : ويعضد ذلك أي ما ذكر من كون أحدهما ناظراً إلى الدليل العقلي والآخر للنقلي وما يدل على فساده عقلاً لو كان فيهما آلهة إلا الله. قوله :( ١ ما من العقل أو من النقل الخ ( كان الظاهر ترك قوله من العقل إلا أنه وجه بأن بناء على تفسيره الأول وهو قوله كرّره استعظاما الخ وقوله : كيف الخ ترق عن أن قولهم بتعدد الآلهة لا دليل عليه إلى أنه قامت الأدلة على خلافه. قوله :( والتوحيد لما لم يتوقف على صحتة ( جواب عن سؤال وهو أنه كيف يثبت التوحيد بالنقل مع لزوم الدور له وسيأتي تحقيقه وتفصيله في أواخر هذه السورة. قوله :
( وإضافة الذكر إليهم الخ ( فالذكر المراد به الكتب لاشتمالها على التذكير والعظة وهو في الأصل مصدر مضاف إلى المفعول والتنوين وأعمال المصدر في المفعول كقوله :﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ﴾ [ سورة البلد، الآية : ١٤ ]


الصفحة التالية
Icon