ج٦ص٢٦٩
الترتيب في استجابته. ورد بأن الفاء في قصة أيوب عليه الصلاة والسلام تفسيرية والعطف هنا أيضاً تفسيري والتفنن طريقة مسلوكة في علم البلاغة، ثم لا نسلم أنّ يونس عليه الصلاة والسلام لم يدع بالخلاص كما نبهت عليه، ولو لم يكن دعاء لم تتحقق الاستجابة وهذا لا محصل له وكونه تفسيراً لا يدفع السؤال لأنّ حاصله لم أتى بالفاء ثمة ولم يؤت بها هنا، فالظاهر أن يقال إنّ الأوّل دعاء يكشف الضرّ كما مرّ عن المصنف رحمه الله أنه تلطف في السؤال فلما أجمل في الاستجابة وكان السؤال بطريق الإيماء ناسب أن يؤتى بالفاء التفصيلية، وأمّا هنا فإنه لما هاجر من غير أمر على خلاف معتاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان ذلك ذنبا كما أشار إليه بقوله : من الظالمين فما أومأ إليه هو الدعاء بعدم مؤاخذته بما صدر منه من سيئات الأبرار فالاستجابة عبارة عن قبول توبته وعدم مؤاخذته وليس ما بعده تفسيراً له بل زبادة إحسان على مطلوبه ولذا عطف بالواو هكذا ينبغي أن يفهم النظم فتأمل. وقوله : كان في بطنه قيل إنه صفة أربع ساعات بتقدير العائد أي كان في بطنه فيها. وقوله : في الإمام الإمام اسم للمصحف العثماني ولا يختص بما كان عنده رضي الله عنه وهو شهيد لتعدده كما بينه القرّاء وقوله نجى أي رسم فيه بنون واحدة. وقوله ولذلك لا يخفى ما في هذا التعليل فإنّ القراءة مبنية على صحة الرواية لا مجرّد متابعة للرسم العثماني كما توهمه هذه العبارة فالظاهر أن يؤوّل بأن المراد اختار الجماعة هذا على القرأءة بنونين لكونه أوفق بالرسم العثماني فتأمل. قوله :( فإنها ) أي النون تخفى بالبناء للمعلوم والمجهول والإخفاء حالة للحرف بين الإظهار والإدغام وحروف الفم هي الحروف التي مخرجها من فضاء الفم وهي ثلاثة الجيم والشين والضاد وتسمى الأحرف الشجرية، قال أبو علي في الحجة : روي عن أبي عمرو نجى مدغمة ساكنة والنون لا تدغم في الجيم وإنما أخفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب وهي في اللفظ ومن قال : تدغم فهو غلط لأنّ هذه النون تخفى مع حروف الفم وتبيينها لحن، فلما أخفى ظن السامع أنه مدغم انتهى. قوله :( فحذفت النون الثانية الخ ا لتوالي المثلين والأخرى جيء بها لمعنى والثقل إنما حصل بالثانية ولا يضرّ كونها أصلية كما أشار إليه المصنف رحمه الله
وهو ردّ على أبي البقاء رحمه الله وأوقع بمعنى أحسن موقعا بحسب الصناعة وتظاهرون أصله تتظاهرون وقوله : ولا يقدح فيه أي في، الحذف وهو رد على أبي البقاء رحمه الله تعالى إذ ظن أنه إنما يحذف أحد المثلين مع إيحاد الحركة كما في تتظاهرون، ولا وجه له وتعذر الإدغام لما مرّ. وقوله لخوف اللبس أي بالماضي بخلاف ما نحن فيه لأنه لو كان ماضيا لم يسكن آخره وكونه سكن تخفيفا خلاف الظاهر كما سيأتي وأمّا كون تظاهرون ليس فيه لبس بالماضي فظاهر. قوله :( وقيل هو ماض مجهول أسند إلى ضمير المصدر ) أي نجى النجاء وسكن آخره تخفيفا كما قرئ في الشواذ ما بقي من الربا بسكون الياء وقوله ورد الخ الرد لأبي عليّ الفارسي في الحجة ولا يمنع النقل فلا يرد عليه أنّ الأخفش وجماعة من النحاة أجازوا قيام المصدر مقام الفاعل ونحوه مع وجود المفعول على أنه يجوز نصب المؤمنين بفعل مقدّر وهي نجى مع أنه قد يقال إنّ مراده أنّ قيام ضمير مصدر الفعل المجهول العائد على ما في ضمنه غير جائز لتكلفه فتأمل، وأما نصب المؤمنين بضمير المصدر فضعيف لضعف عمل الضمير. !قوله :( وحيدا بلا ولد يرثني ) فسره به لمناسبته لقوله وأنت خير الوارثين لأنه لو كان المراد ولداً يصاحبه ويعاونه لا يخلفه بعده كما قيل لجعل قوله :﴿ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ [ سورة مريم، الآية : ٦ ] كناية عن الولد لأنه من شأنه ذلك وذيل بأنت المعين ونحوه كما لا يخفى إذ المقصود من التناسل بقاء النوع والمعاونة والمصاحبة داخلة فيه فهذا أتم وأنسب والحامل على الكناية المذكورة ليس ما ذكر، بل أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يرثون ولا يورثون فقوله فرداً لا ينافيه بل يؤيده. قوله :( وإن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي به ) يعني أنهءلمجيب سأل ربه أن لا يدعه وحيدا ويرزقه ولداً يرثه ثم سلم أمره إلى الله تأدباً فقال إن لم تجبني فلا أبالي لأنك خير الوارثين. قيل إنّ هذا لا يناسب مقام الدعاء إذ من آداب الداعي أن يدعو بجد واجتهاد وتصميم منه


الصفحة التالية
Icon