ج٦ص٢٨٨
وهو شائع في كلامهم فالخبر عنهما لا عن الأوّل كما توهم كذا. أفاده المعرب والمحقوقين بمعنى المستحقين. قوله :( وأن يعطف به ( كان الظاهر ترك قوله : به وإن أوّل بمعنى يؤتى به معطوفاً أو بالواو أي يجعل معطوفا على من والسجود بالمعنيين الأولين على ما مرّ وحينئذ ينبغي تقدير وصف للاوّل بقرينة مقابله أي حق له الثواب ومن الناس صفة أيضا للإشارة إلى أن ما عداهم ليسوا بمثابين فلا يرد عليه أنه لا وجه لذكر قوله : وكثير من الناس وأمّا عطفه على قوله وكثير من الناس للإشارة إلى ما ذكر فهو كقوله :﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ما كنا في أصحاب السعير ﴾ [ سورة الملك، الآية : ٠ ا ] فمع ابتنائه على قول مرجوح لا يخفى تكلفه. وقوله : بما بعده أي حق الذي كان خبراً وحق بمعنى تقرر وثبت. وقوله : وحقا بإضمار فعله أي حق حقا على أنه مصدر مؤكد لمعنى الجملة. قوله :( بالفتح ( أي بفتح الراء
على أنه مصدر ميمي لا اسم مفعول بمعنى المضدر كما قيل وقله من الإكرام والإهانة خصهما بمقتضى السياق. وقيل : لأولى تفسيره بمن الأشياء التي من جملتها الإكرام والإهانة لأن ما من ألفاظ العموم ولكل وجهة. قوله :( أي فوجان مختصمان ( قيل الخصم في الأصل مصدر ولذا يوحد وينكر غالبا وششوي فيه الواحد المذكر وغيره كقوله تعالى نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب فلما كان كل خصم فريقا يجمع طائفة قال اختصموا بصيغة الجمع كقوله :﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ﴾ [ سورة الحجرات، الآية : ١٩ ] فالجمع لمراعاة المعنى وقرأ ابن أبي عبلة. اختصما مراعاة للفظ وقال الزمخشري : الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل هذان فوجان أو فريقان مختصمان. وقوله : هذان للفظ واختصموا للمعنى كقوله ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا، ولو قيل اختصما صح، واعترض بأن إن أراد أنه صفة حقيقة فخطأ لتصريحهم بأن التوصيف به كرجل عدل فإن أراد هذا فليس نظير ما ذكره وليس بشيء عند التحقيق وكلام المصنف رحمه اللّه محتمل للوجهين. فقوله : ولذلك أي لكون الخصمين بمعنى الفوجين من المؤمنين والكافرين. وقوله : ولو عكس أي قيل هؤلاء خصمان اختصما جاز لأنه عبارة عن الفريقين لا لو قيل خصوم أو خصماء. قوله :( وقيل تخاصمت الخ ( مرضه لأن الخصام ليس في الله بل في أيهما أقرب من الله وقيل إنه عام وما ذكر من التخصيص لا دليل عليه ولا يخفى أن خصوص السبب لا ينافي العموم مع أن اسم الإشارة يقتضي عدم عمومه فالظاهر أن تمريضه لأنه لم يصح عنده كونه سبب النزول وما بعده من الجواب غير موافق له إلا بتأويل فتأمّل. قوله :( وهو المعئى ( بصيغة المفعول وكونه جوابا كما تدل عليه الفاء لا ينافي قوله يوم القيامة لأنه ظرف لتحققه وظهوره فلا ينافي ذكره في الدنيا كما قيل وفي هذه الآية من البديع الجمع والتقسيم. قوله :( قدّرت لهم على مقادير جثتهم ( بالإفراد وهي البدن أو هو جمع جثة بثاءين مثلثتين، وهو أظهر وهذا بيان لحقيقته لأن الثياب الجدد تقطع وتفصل على مقدار بدن من يلبسها واللباس محيط به والتقطيع مجاز بذكر المسبب وهو التقطيع وارادة السبب وهو التقدير والتخمين والظاهر أنه بعد ذلك جعل تقطيعها استعارة تمثيلية تهكمية شبه إعداد النار المحيطة بهم بتفصيل ثياب لهم كما قيل :
قوم إذا غسلوا الثياب رأيتهم لبسوا البيوت وزرّروا الأبوابا...
قوله :( نيران تحيط بهم إحاطة الثياب ) ظاهره أنه تشبيه بليغ بجعل النيران كالثياب في الإحاطة والتشبيه على طريق التجريد لكنه ينبغي أن يحمل على الاستعارة كما مرّ وجمع الثياب لأن النار لتراكمها عليهم كالثياب الملبوس بعضها فوق بعض وهذا أبلغ من جعله من مقابلة الجمع بالجمع فيكون لكل نار وان احتملهما كلامه. والتعبير بالماضي لأنه بمعنى إعدادها وتهيئتها لهم ولذا لم يقل ألبسوا وهو قد وقع بخلاف ما بعده فليس من التعبير بالماضي لتحققه كما قيل والحال فيه مقدرة. قوله تعالى :( ﴿ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾ ) هو معطوف على ما قيل وتأخره عنه إمّا لمراعاة الفاصلة أو للإشعار بغاية الحرارة بإيهام أق تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظاهر مع أنه على العكس، وقيل إن التأثير في الظاهر