ج٦ص٤١٤
ماشين لا ملائكة لابتلائهم فتأمّل. قوله :( علة للجعل الخ ) أي جعلنا ذلك لنبتلي الصابر من غيره ولذا قيل إنّ معادله محذوف أي أم لا تصبرون وجملة الاستفهام معموله للعلم المقدر المعلق عنها أي لنعلم أيكم يصبر أي ليظهر لكم ما في علمنا وتنظيره بالآية المذكورة في دلالة ما هو بمعنى الفتنة وهو الابتلاء على إرادة العلم كما مرّ إلا أنه مضمن ثمة ومقدر هنا فالتشبيه ليس من كل وجه. قوله :( أوجب عليهم الصبر ) أي أتصبرون المراد منه الإيجاب والأمر بالصبر أي اصبروا فإني ابتليت بعضكم ببعض الغني بالفقير والشريف بالوضيع لذلك وفي نسخة أو حث على الصمبر بالحاء المهملة والثاء المثلثة فهو معطوف على قوله : علة والاستفهام للترغيب والتحريض. وقوله : افتتنوا بصيمخة المجهول. قوله :( لا ياملون ) من أمل بالتخفيف بمعنى أمّل بالتشديد فإنه ورد عنهم كقوله : المرء يأمل أن يعب سش وطول عيشه قديضرّه...
خلافا لمن أنكره كما ذكره ابن هشام في قول كعب رضي الله عنه :
والعفو عند رسول الله مأمول
وفي المصباح الأمل ضدّ اليأس وأكثر ما يستعمل فيما يبعد حصوله والطمع يكون فيما
ترب حصوله والرجاء بين الأمل والطمع فإنّ الراجي يخاف أن لا يحصل مأموله ولذ استعمل بمعنى الخوف فإن قوي الخوف استعمل استعمال الأمل كما يستعمل الأمل بمعنى الطمع انتهى فقد علمت أنه كما فرقت العرب في الاستعمال بين الرجاء والأمل ولذا قال زهير :
أرجو وآمل أن تدنو مودّتها
استعملت كلا منهما بمعنى الآخر ولذا سوى بينهما في القاموس وفسر أحدهما بالآخر
كما هنا. وفرق بينهما كما في قول ابن هلال في فروقه الأمل رجاء يستمر ولذا قيل للنظر في الشيء إذا استمرّ وطال تأمّل فلا وجه للاعتراض على تفسيره به ولا وجه للاعتذار عنه بما لا طائل تحته. قوله :( بالخير ) متعلق بلقاءنا أو بيرجون أو هما تنازعاه والباء للسببية أو الملابسة وقوله لكفرهم تعليل لعدم الرجاء وقوله أو لا يخافون فالرجاء بمعنى الخوف كما في قوله :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
لأنّ الراجي لأمر يخاف فواته فاستعمل مجازا فيه وكون هذا لغة تهامة كما نقله الزمخشريّ وهو ثقة إمّا لأنهم لا يخصونه بهذا المعنى أو على أنه حقيقة عندهم وقول الرضي وغيره إنّ الترجي الارتقاب لمكروه أو محبوب لا يقضى عليه مع أنّ الكلام هنا في لفظ رج و كلام النحاة فيما يدلّ عليه كلعل فتأمّلى قال المرزوقي وضعوا الخوف موضحع الرجاء كقوله : ولوخفت أني إن كففت مسبتي تنكب عني رمت إن تتنكبا..-
والرجاء موضع الخوف كقوله. إذا لسعته الخ فما وقع للمحشي هنا من الاعتراض بكلام
النحاة خبط غريب منه. قوله :( وأصل اللقاء الخ ) يعني أن أصله مقابلة الشيء ومصادفته لا المماسة ومن الوصول أو اللقاء الرؤية فإنه يطلق عليها والمراد هنا على المعنيين لقاء جزائه بطريق الكناية أو بتقدير مضاف فيه سواء كان الجزاء خيرا أو شرّا ومن تبعيضية. وقوله : ويمكن أن يراد به الرؤية أي في الآخرة وهو الظاهر لا لما قيل لئلا يخالف قوله أو نرى ربنا لأنه مع كونه غير مخالف له لا يضرّ لدلالته على كذبهم ثم إنّ وجه تخصيصمه بالأوّل إنّ الرؤية لا معنى لكونها مخوف بخلاف ما إذا كان بمعنى يأملون فلا وجه للقول بأنه لا وجه للتخصيص فتأمّل. قوله :( فتخبرنا ) وفي نسخة فيخبرونا فهو كقوله :﴿ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ﴾ فيكون معه نذيرا. وقوله : وقيل الخ لعله إنما ضعفه لأن السياق لتكذيبه والتعنت في طلب مصدق له لا لطلب
ملك مستقل بدله وتكراره مع قوله سابقاً لولا أنزل إليه ملك الخ. لا يضرّ مع الأوّل في طلب ملك ينذر بما أنذر به وهذا في طلب ملك يقول إنه صادق في مدعاه أو يأمرهم بالتوحيد والإسلام وأمّا كون العادة الإلهية على إرسال الرسل من البشر فهم لا يسلمونه ولو علم فمرادهم التعجيز والعناد. قوله :( أي في شأنها الخ ) يعني أنهم لتكبرهم استكبروا أنفسهم أي عدوها كبيرة لشان وخصوصية لها فنزل فيه الفعل لمتعدي منزلة اللازم كما في قوله : تجرح في عراقيبها نصلي وأصله من استكبره إذا عذه كبيراً عظيماً وفي الكشاف معناه أنهم أصروا الاستكبار في أنفسهم كقوله : إن في صدورهم اكبر وهو وجه آخر