ج٦ص٧٨
فعل مقدر أي يعد عددا، وقوله : يحتمل التكثير والتقليل إشارة إلى ما فصله أهل اللغة كالراغب وصاحب المحكم من أنّ العدد قد يراد به التكثير لأنّ القليل لا يحتاج إلى العدد غالبا كما في قوله : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة أي قليلة وقد يذكر للتقليل في مقابلة ما لا يحصى كثرة، كما يقال : بغير حساب ولما كانت الكثرة في أوقات السنين وأيامها ظاهرة قدمه، ولم يبينه وبين القلة بقوله : فإنّ مدة الخ يعني أن القلة بالنسبة إلى ما عند الله فلا منافاة بين كلامه وما مرّ منه في سورة البقرة ويوسف، فإن القلة والكثرة من الأمور الإضافية فتفسر في كل مقام بما يناسبه. قوله :( أيقظناهم ( سيأتي تحقيق معنى البعث في سورة يس، وقوله : ليتعلق علمنا الخ دفع به ما قيل : كيف يكون علمه تعالى بما ذكر غاية لبعثهم ولم يزل عالماً به لقدم علمه، وأيضاً حدوثه يوجب جهلا سابقا تعالى الله عنه وحاصله أنّ الحادث هو تعلق علمه لحدوث متعلقه، وهو وقوع الإحصاء بالفعل وله تعلق آخر قديم، وهو بأنه سيقع قبل وقوعه فاستمرّ علمه بتعلقين على وجهين ولا يلزم منه محذور لكنه أورد عليه إن جعل التعلق الحالي غرضاً لبعثهم وأنه أمر عظيم لا وجه له، فالوجه ما في الكشاف من أنّ المقصود ليس كذلك بل ظهور أمرهم ليزدادوا إيماناً فيكون لطفا بمؤمني زمانهم، وآية بينة لكفاره وليس هذا بشيء فإنّ مراد المصنف دفع ما يتوهم من أن صيغة الفعل المستقبل تدلّ على التجذد والحدوث وعلم الله قديم وأمّا كون علمه يتعلق بكل شيء بعد حدوثه فما الفائدة في ذكره وجعله غاية لبعثهم، فاً مر مسكوت عنه والطريقة المسلوكة في ذكر علم الله بالأشياء حيث وقع في القرآن أن يجعل كناية عن بعض ذكر لوازمه المناسبة لموقعه، فقد يجعل كناية عن المجازاة كما في قوله :( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ) أي لنجازي المتبع بالثواب والمنقلب بالعقاب، وهنا جعل كناية عن ظهور أمرهم لتطمئن بازدياد الإيمان قلوب المؤمنين وتنقطع حجة المنكرين كما بينه الزمخشري ولو صرّح به المصنف لكان أحسن ولكنه تركه اعتمادا على ما فصله في سورة البقرة ليعلم بالمقايسة عليه وكثيرا ما يفعله، وإنما علق العلم بالاختلاف في أمده لأنه ادعى لإظهاره وأتوى لانتشاره، وأمّا من لم يرتض هذا وقال : إنه محمول على التمثيل المبنيّ على جعل العلم عبارة عن الاختبار مجازاً بطريق إطلاق اسم المسبب على السبب وليس من ضرورة الاختبار صدور الفعل المختبر به عن المخبر قطعاً بل قد يكون لإظهار عجزه عنه على سنن التكاليف العجزية، كقوله : فأت بها من المغرب فالمراد هنا بعثناهم لنعاملهم معاملة مختبرهم فمع تكلفه، وقلة جدواه غير مستقيم لأن الاختبار الحقيقي لا يصدر ممن أحاط علمه بكل شيء فحيث وقع جعلوه مجازا عن العلم أو ما ترتب عليه فلزمه بالآخرة الرجوع إلى ما أنكره وما أقرب ما ينسى ما قدمت يداه في تفسير قوله : لنبلوهم، والعجب من بعض المتصلفين أنه ظنه
معنى دقيقا ومسلكاً أنيقاً ولولا خوف الإطالة لذكرناه ولكن البعرة تدل على البعير، وقوله : منهم أي من أصحاب الكهف، وقوله : أو من غيرهم إشارة إلى أنّ المختلفين هم ملوك تلك الديار وحواشيهم. قوله :( ضبط الخ ( إشارة إلى أن أحصى فعل ماض! بمعنى ضبطه بالعذ، وفيه تنبيه على إعرابه الآتي وأن ما مصدرية وجعل المصدر للحين، وعلق بصيغة المعلوم فاعله ضمير ما، وقوله : حال من أي من أمدا النكرة وجاز لتقدمه وقوله : أو مفعول له فاللام للتعليل لازمة لكونه غير مصدر صريح وغير مقارن أيضا وما مصدرية غير وقتية. قوله :( وقيل الخ ( مرضه لأنّ اللام لا تزاد في مثله وما موصولة بمعنى الوقت والعائد محذوف أي فيه وجوّز فيها على هذا المصدرية وهو بعيد. قوله :( وأمدا تمييز ( على هذا قال الراغب : الأمد مدة لها حذ، والفرق بينه وبين الزمان أن الأمد يقال : باعتبار الغاية بخلاف الزمان يلاحظ فيه دخول الغاية لا أنه اسم للغاية حتى يكون إطلاقه على المدة مجازاً، كما أطلقت الغاية عليها في قولهم : ابتداء الغاية وانتهاؤها كما قيل : والتمييز هنا للنسبة مفسر لما في نسبة المفعول من الإبهام محؤل عن المفعول وأصله أحصى أمد الزمان الذي لبثوا فيه لأنه يشترط فيه أن يكون محوّلاً عن الفاعل


الصفحة التالية
Icon