ج٧ص١٣٩
لنسلم لرب العالمين فإنه وقع في القرآن متعدّياً بـ إلى واللام فالأوّل لأنّ المسلم أموره له يجعلها منتهية إليه، وأمّا الثاني فلإخلاصه له فالمراد بالتضمن في كلامه كونه ملاحظاً في ضمن معناه متعديا بحسبه لا مطاوع التضمين الإصطلاحي، وهذا مراد الشيخين هنا فلا حاجة إلى تبديل الإخلاص بالاختصاص كما ذهب إليه بعض المتأخرين حيث ضرب بالقلم على الإخلاص، وكتب بدله الاختصاص مع أنه قريب من كلام المصنف ولم يرد بالتضمين غير ما ذكرناه إذ المراد أنّ إسلام الوجه منتهيا إلى الله ومختصاً به فبالنظر إلى الأوّل تعدّى يالى، وبالنظر إلى الثاني باللام الدالة على الاختصاص في نحو الجل للفرس فلا وجه للاعتراض عليه بأنه أصابت بديهته، وأخطأت رويته فالاختصاص إنما يتعدّى بالباء ولا للاعتراض على المصنف بأنه لا حاجة إلى ما اعتبره من التضمين والمخطئ في هذا كله ابن أخت خالة المخطئ. قوله :( وهو تمثيل ) أي تشبيه تمثيليّ مركب لذكر الطرفين بتشبيه حال المتوكل على الله المحسن في عمله بمن ترقى في جبل شاهق، أو
تدلي منه فتمسك بعرى حبل وثيق متدل منه، وهذا بعينه ما في الكشاف إلا أنه أبدل تدلى بترقي ملاحظة لعلوّ حاله، والتدلي باعتبار أنه المعروف فيه ولكل وجهة وقد ذكر في البقرة إنه استعارة في المفرد وهو العروة الوثقى فيستعار للتوكل النافع المحمود عاقبته واستمسك بمعنى طلب التمسك. قوله :( إذ الكل صائر إليه ) تعريف الأمور يحتمل الاستغراق، والعهد كالكل إذ يحتمل كل الأمور وكل ما ذكرمن المجادلة وما بعده لكن كلامه ظاهر في الأوّل وتقديم إلى الله إجلالاً للجلالة ورعاية للفاصلة، ويجوز أن يكون للحصر ردا على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور، وليس الاستغراق مغنياً عنه كما قيل. قوله :( فلا يضرّك ) فنفي الحزن مجاز أو كناية عن نفي الضرر وفسره الزمخشريّ بلا يهمنك وأحزن مزيد حزن اللازم، وقدر لزومه ليكون للنقل فائدة وقوله وليس بمستفيض أي شائع تبع فيه الزمخشري، واللغتان مشهورتان والقراءتان متواترتان لأنّ هذه قراءة نافع لكنه يشير إلى ما نقل عن الزمخشري أن المعروف في الاسنعمال ماضي الأفعال ومضارع الثلاثي، والعهدة في ذلك عليه. قوله :( في الدارين ) فسره به لأنّ المراد بالرجوع وما بعده المجازاة كما أشار إليه بقوله بالإهلاك الخ وقوله فيجازي عليه لأنّ علمه تعالى عبارة عن الجزاء عليه وقوله فضلاً ناظر إلى العلم بما خفي مما أكن في الصدور ويصح رجوعه للمجازاة عليه أيضاً، واستعمل فضلا في الإثبات لتأويل فيجازي بمعنى لا يترك، أو عليم بذات الصدور فلا يخفى عليه شيء فلا يقال إنه لم يقع في موقعه. قوله :( تمتيعاً ) يعني نصبه على المصدرية لأنه صفة مصدر مقدر أو على الظرفية لأنه صفة زمان مقدر، وقوله فإنّ ما يزول الخ بيان لقلته على الوجهين وأنها نسبية. قوله :( يثقل عليهم الخ ) يعني أنّ الغلظ مستعار من الأجرام الغليظة والمراد الشدة والثقل على المعذب كما في الكشاف، والمراد بالاضطرار والإلجاء إلزامهم إلزام المضطر الذي لا يقدر على الانفكاك مما ألجئ إليه، وفي الانتصاف أنّ تفسير هذا الاضطرار ما في الحديث :" من أنهم لشدّة ما يكابدون من النار يطلبون البرد فيرسل عليهم الزمهرير فيكون أشدّ عليهم من اللهب فيتمنون عود اللهب اضطرارا " فهو اختيار عن اضطرار وبأذيال هذه البلاغة تعلق الكندي حيث قال :
يرون الموت قداما وخلفا فيختاروه والموت اضطرار
وكأنّ قول المصنف أو يضمّ الخ إشارة إلى هذا فتأمّل. قوله :( ليقولن الله ) أي خلقهن
الله، وهو المطابق للسؤال بحسب المعنى كما فصل في محله، وقوله بحيث اضطروا إلى إذعانه فإنه لا يمكن إنكاره كغيره من العبادة ونحوها، ولذا اضطرهم إلى العذاب، وقوله بطلان معتقدهم وهو إشراك غيره به في العبادة التي لا يستحقها غير الخالق والمنعم الحقيقيّ فيجب أن يكون له الحمد والشكر، وأن لا يعبد معه غيره فتعريف الحمد للاستغراق وقد مرّ في العنكبوت وجهان آخران وكلام فيه. قوله :( أنّ ذلك يلزمهم ) ذلك إشارة إلى إقرارهم واعترافهم صريحاً بأنه الخالق لا سواه واقتضاء بأنه المستحق للعبادة والحمد فيلزمهم بفتح الياء مضارع لزم الثلاثي أو بالضم مضارع ألزم، والمعنى اعترافهم بأنه الخالق يلزمهم الإقرار بغيره ويجوز أن يكون المعنى أنهم ليسوا من أولي العلم، وبل للإضراب عن جهلهم وإلزامهم. قوله :( لا يستحق العبادة فيهما غيره ) فهذا إبطال لمعتقدهم


الصفحة التالية
Icon