ج٧ص٢٠٥
المذكور ولوما للرؤساء وما أخفوه الندامة وهي لوم نفسه وبينهما بون فلا يخفى حاله، واذا كان بمعنى الإظهار ففي غاية
الظهور. قوله :( نتنويهاً بذمّهم ) أي إظهارا له وأصل التنويه في المدح، وقوله بموجب بكسر الجيم، وأغلاله بفتح الهمزة بصيغة الجمع لأنّ فعله غل لا أغل. قوله :( وتعدية يجزي الخ ) ظاهره أنّ الجزاء ليس بمعنى القضاء وأنه لا يتعد! لمفعولين بنفسه، وكلام الراغب يخالفه فانه بعد تفسيره به قال : ويقال جزيته كذا وبكذا، ويؤيده قوله تعالى :﴿ وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [ سورة الإنسان، الآية : ١٢ ] فلا حاجة إلى التضمين واذا ضمن فكيفية تقدير. أشهر من أن تذكر فمن قال إن تعدّبه لمفعولين لم يوجد في كتب اللغة وإنه إنما يتعدى لأحدهما بعن فقد أخطأ، وقوله أوبنزع الخافض وهو إمّا الباء أو عن أو على فإنه ورد تعديته بها جميعاً. قوله :( تسلية لرسول الله ﷺ مما مني به ) أي ابتلى به يقال فيته بكذا أي ابتليته، وهو بصيغة المجهول والمعنى مناه الله به من مخالفة قومه وعداوتهم له :
وضرّ ذوي القربى أشدّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المصمم
والسهام أنكؤها أدناها، وقوله المتنعمين تفسير للمترفين كما مر، وقوله المعظم من الإعظام بمعنى اجمثار يقال هذا معظمه أي أكثره وهو صفة الداعي أو منصوب على الظرفية أي في الأكثر من الأحوال، وقوله الانهماك في الشهوات خبر إنّ أي المنهمك هو المتنعم فيلزمه التكبر والمفاخرة المؤدّيان إلى التكذيب، وفي بعض النسخ المفاخرة بلا واو على أنه الخبر، والانهماك بالواو عطف عليها وماكه للأوّل وفي بعضها لأن الداعي المعظم إليه التكبر والمفاخرة على أنه الخبر والانهماك بالواو عطفاً عليه، وهي أظهر وأكثر فلا سهو فيه كما قيل والتهكم في قولهم وما نحن بمعذبين أو في قوله أرسلتم كما قيل والمفاخرة بالأموال والأولاد، وظاهره أنّ هذا من أمته ولا باع فيه لدخوله في العموم. قوله :( على مقايلة الجمع بالجمع ) الجمع الأوّل الرسل المدلول عليه بقوله أرسلتم، والثاني كافرون فقد كفر كل برسوله، وخاطبه بمثله فلا تغليب في الخطاب في أرسلتم، وقيل إنه غلب المخاطب على جنس الرسل أو على اتباعه وليس لانقسام الآحاد على الآحاد فإنه لا يطرد فضمير أرسلتم إمّا تهكما أو تغليباً على من آمن به وليس المعنى عليه بل للدلالة على أنّ كلاً منهم كافر بكل منهم، وقيل الجمع الأوّل نذير لأنه يفيد العموم في الحكاية لا المحكي بوقوعه في سياق النفي وليس كل قوم منكراً لجميع الرسل فحمل على المقابلة، وما ذكرناه أوّلاً أقرب وأسلم من التكلف. قوله :( فنحن أولى بما
تدّعونه ) من الكرامة في الآخرة، ولذا قال إن أمكن لإنكارهم البعث فقاسوا أمر الآخرة على أمر الدنيا وظنوا أنّ المنعم هنا منعم ثمة وايلاء نحن النفي إشارة إلى أنّ المؤمنين معذبون استهانة بهم لظنهم أنّ المال، والولد يدفع العذاب عنهم كما قاله بعض المشركين. قوله :) رد لحسبانهم ) وفي نسخة ردا بالنصب على أنه مفعول له أي ردا لما ظنوه من أنهم أولى بما يدعونه وأنهم لا يعذبون لكثرة أموالهم وأولادهم الدالة على كرامتهم عند الله تعالى ولا حاجة إلى تخصيصه باحد الحسبانين حتى يكون إشارة إلى ترجيح الوجه الثاني. قوله :( لم يكن بمشيئته ) أي لو كان ذلك بطريق الإيجاب عليه نافي المشيئة على ما أشار إليه بعض المدققين من أنّ الواجب إمّا عبارة عما يستحق تاركه الذمّ كما قاله بعض المعتزلة أو ما تركه مخل بالحكمة كما قاله بعض آخر أو ما قدّر الله على نفسه أن يفعل ولا يتركه وان كان تركه جائزا كما اختاره بعض الصوفية، والمتكلمين كما يشعر به النصوص كحرّمت الظلم على نفسي والأوّل باطل لأنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء فلا يتوجه إليه ذمّ أصلا وهو المحمود في كل فعاله، وكذا الثاني لعلمنا بأنّ جميع أفعاله تتضمن حكماً ومصالح لا يحيط بها علمنا على أنّ رعاية الحكمة المصلحة لا تجب عليه تعالى ولا يسئل عما يفعل وكذا الثالث لأنه إن قيل بامتناع صدور خلافه عنه فينافي الاختيار على ما صرح به في تعريفه من جواز الترك، وان لم يقل به فات معنى الوجوب إذ محصله إنه تعالى لا يتركه بمقتضى جري العادة وليس من الوجوب في شيء فهو مجرّد اصطلاح، اهـ محصله فقد علمت أن الإيجاب ينافي الاختيار والمشيئة عند التحقيق كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه :
ومن الدليل على القضاء وحكمه بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق


الصفحة التالية
Icon