ج٧ص٢٣٨
الله، ولما كانت الحسوة ما يلحق المتحسر من الندم حتى يبقى حسيرا وهو لا يليق به تعالى جعلوه استعارة بأن شبه حال العباد بحال من يتحسر عليه الله فرضاً فيقول يا حسرة على عبادي قيل، وهو نظير قوله بل عجبت، ويسخرون على القراءة بضنم التاء كما سيجيء في الصافات فالنداء للحسرة تعجب منه، والمقصود تعظيم جنايتهم أي عدها أمرا عظيما يتعجب منه وتخسر بمعنى تفجع، وقوله لتعظيم متعلق به أو باستعارة على أنّ المراد بها الاستعارة الاصطلاحية أو اللغوية، وتأييد يا حسرتا لأنّ أصله يا حسرتي فقلبت الياء ألفا فتأمل. قوله :( بإضماو فعلها ) أي يا قوم تحسروا حسرة فهو مفعول مطلق، ويجوز تقدير انظروا أو اسمعوا وقوله أو المفعول أي بواسطة الحرف لأنه لا يتعدى بنفسه، وأما الوقف على الحسرة بالهاء فلكونها حرف تأوّه وتأسف إلا أنه ينبغي حينئذ أن لا يتعلق به قرله على العباد لأنّ الوقف بين العامل ومعموله لا يحسن فيكون متعلقاً بمقدر أو خبر مبتدأ لبيان المتحسر عليه وتقديره الحسرة على العباد، وقوله ألم يعلموا جعلها علمية لا بصرية لأنها لا تعلق على المشهور، وفوله لأنّ أصلها الخ لأن الاشتراك خلاف الأصل لكن الظاهر أنّ كلاً منهما أصل برأسه بدليل اختلاف أحكام التمييز فيهما. قوله :( بدل من كم على المعنى الخ ) فيه تسمح والمراد أنه بدل من جملة كم أهلكنا وقد أعربه سيبويه هكذا وتبعه الزجاج وقال
السيرافي في شرحه المعنى ألم يروا أنّ القرون التي أهلكناها لا يرجعون إليهم فأنهم الخ بدل من جملة كم أهلكنا لأنّ كم منصوب بأهلكنا إذ لا يعمل فيها ما قبلها فلو أبدل منه كان تقديره أهلكناها أنهم إليهم لا يرجعون، ولا معنى له ولكن كم وما بعدها في تقدير ألم يروا الذين أهلكناهم من القرون فالمعنى ألم يعلموا أنّ القرون التي أهلكناهم من قبلهم لا يرجعون، وفيه وجه آخر وهو أن يجعل صلة أهلكناهم أي أهلكناهم بأنهم إليهم لا يرجعون أي بهذا الرب من الهلاك انتهى، وقوله على المعنى لأنّ كثرة المهلكين وعدم الرجوع ليس بينهما اتحاد بجزئية ولا كلية، ولا ملابسة كما هو مقتض البدلية لكنه لما كان في معنى الذين أهلكناهم دمانهم لا يرجعون بمعنى غير راجعين اتضح فيه البدلية على أنه بدل اشتمال، أو بدل كل من كل وبهذا سقط ما قيل إنه لا يصح فيه البدلية بوجه من الوجوه وانّ بدل المفرد من الجملة غير متعارف بل عكسه مع أنّ سيبوبه إذا ذكره فقد قالت حذام، والقول بأنه بدل من كم وجعله على المعنى لعدم صحة تسليط عامله عليه لكنه لما كان معمولاً ليروا معنى صحت البدلية ولا يخفى ما فيه من التعسف الذي لا تساعده قواعد النحو ( بقي فيه وجوه أخر ) منها أنه معمول لمقدّر أي قد قضينا، وحكمنا أنهم الخ والجملة حال من فاعل أهلكنا ومنها أنه معمول يروا وجملة كم أهلكنا معترضة، ومنها أنّ كم أهلكنا معمول يروا ولام التعليل مقدرة قبل إنهم والمعلل يروا كما في شرح المغني، وقد أورد عليه أنه لا فائدة فيه يعتذ بها وأنّ المراد باهلاكهم استثصالهم انتقاماً، وعدم رجوعهم لا يدلّ إلا على إماتتهم ولا يخفى أنّ ما ذكره وارد على البدلية أيضا، والظاهر أنّ المقصود من ذكره إمّا التهكم بهم وتحميقهم أو تقديم إليهم للحصر أي أنهم لا يرجعون إليهم بل إلينا فيكون ما بعده مؤكداً له، وأمّا كونه تعليلاً لأهنكنا وضمير أنهم للقرون واليهم للرسل أي أهلكناهم لعدم رجوعهم للرسل أي متابعة دينهم الحق، وقيل لا يرجعون دون لم يرجعوا للدلالة على الاستمرار وليس إليهم زائداً على هذا كما توهم أو هو على ما يتبادر منه من رجوع الأوّل للقرون، والثاني لمن يرون والمعنى أنهم لا يرجعون لهم فيخبروهم بما حل بهم من العذاب، وجزاء الاستهزاء حتى ينزجر هؤلاء فلذا أهلكناهم فتعسف ركيك المعنى دعاهم إليه عدم فهم ما قرّرناه، وههنا كلمات أخر نثأت من قلة التدبر تركناها خوف الملل. قوله :( للجزاء ( وفي الكشاف للحساب وليس ببعيد من الأوّل وقيل محضرون معذبون، وقوله فعيل بمعنى مفعول أوّله به ليفيد ذكره بعد كل لأنها لإحاطة الإفراد، وهذه تفيد اجتماعهم في المحشر ولذا جاء أجمع بعد كل في التأكيد ومحضرون خبر ثان أو نعت، وقوله
خبر آية ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم يحتج لرابط، وهذا حسن جدّاً إلا أنّ النحاة لم يصرّحوا به في غيره، وقيل إنها مؤوّلة بمدلول هذا القول، وأمّا كونها صفة لآية فلا وجه له، وقوله أو صفة لها أي جملة أحييناها صفة للأرض لأ نه لم يرد بها أرض! معينة بل الجنس فهو كقوله :


الصفحة التالية
Icon