ج٧ص٢٦٩
هذا بناء على أنها خمر حقيقة لكنها وصفت بالمعين تشبية لها به لكثرتها حتى تكون أنهاراً جارية في الجنان وقوله للأشعار بأنّ ما بالمد والقصر، وهو وجه آخر مبني على أنه ماء جار على الحقيقة لكنه في حلاوة العسل وله تفريح ونشوة كنشوة الخمر ووجه الإشعار ظاهر لأنّ جعله خمراً يفيد أن فيه لذته، ونشوته وكونه معيناً يدل على ماء أو جنس من المشروب يضاهيه في لونه ورقته فلا يخفى وجه الإشعار لمن له شعور، وفائدته على الأوّل وصف الخمر بالرقة واللطافة، وعلى الثاني وصف الماء باللذة والنشوة. قوله : الكمال الفذة ( بدل من قوله لما يطلب أو متعلق بجامع تعليل له، وقوله وكذلك أي على الاحتمالين، وقوله أيضاً أي كما أن قوله من معين صفة، وقوله للمبالغة بجعل الملتذ به عين اللذة، وقوله كطب بفتح الطاء بمعنى طبيب حاذق فهو فعل بسكون العين صفة كصعب بمعنى فعيل أو بكسرها كخشن أو بفتحها كحسن فسكن للإدغام، وقوله في البيت ولذ فسره في الكشاف بنوم وفسره في الأساس يعيش لذيذ وهو الظاهر وعلى كليهما فهي شاهد لما ذكره لأنه على الأوّلين ليس باسم جامد له بل معنى لذيذ بغلب على النوم، والتردد فيه لا وجه له والصرخدي الخمر منسوب لصرخة بلدة بالشام ينسب إليها الخمر الجيد، والحدثان بفتحات شدائد الدهر ونوائبه التي تحدث فيه. قوله تعالى :( ﴿ لَا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ ) قدم فيه الظرت
للتخصيص، والمعنى ليس فيها ما في خمر الدنيا من الخمار وفيه كلام في كتب المعاني والغائلة ما يخشى من الضرر، وقوله كالخمار بضم الخاء صداع الخمر وأشار بالكاف إلى عدم حصر ضررها فيه، وقوله ومنه الغول التي تذكرها العرب من شياطين الجن المهلكة، وهل لها حقيقة أولاً فيه تفضيل في حياة الحيوان أي سميت به لإفسادها، وفي المثل الغضب غول الحلم والمراد بالحلم العقل أو معناه المعروف أي مذهبه ومهلكه. قوله :( يسكرون ( بيان لحاصل المعنى وهو على قراءته مجهولا وكذا قوله نرف الشارب على البناء للمفعول إذا ذهب عقله وادواكه من السكر كأنه ظرف للعقل ففرغ منه، وقوله أفرداه الخ مع أنّ ذكر الخاص بعد العام مستغنى عنه لكنه للاعتناء بنفيه جعل كأنه نوع آخر فعطف عليه كما عطف جبريل على الملائكة تعظيماً له، وقوله وقرأ الخ أي بضم الياء وكسر الزاي مضارع أنزف أي صار ذا نزف أي عقل أو شراب نافد ذاهب فالهمزة فيه للصيرورة أو للدخول في الشيء ولذا صار لازما فهو مثل كبه فأكب، وسيأتي تحقيقه وهو أيضا بمعنى السكر لنفاد عقل السكران أو نفاذ شرابه لكثر شربه فيلزمه عليهما السكر، ثم صار حقيقة فيه قال :
لعمري لئن أنزفتمو وصحوتمو
ويجوز أن يراد لا يفنى شرابهم أو ينفد حتى ينغص عيشهم، وتعديته بعن لتضمينه معنى يصدرون عنها سكارى، وقوله وأصله النفاد أي ما وضل له في الأصل نفاد شيء من شيء كنفاد الماء من البئر والدم من الجريح والعقل من السكران، ونزحت الركية بمعنى أخرجت ماءها حتى نزفتها أي لم يبق فيها شيء منه، والركية بفتح الراء البئر. قوله :( قصرن أبصارهق على أزواجهت ) فلا ينظرن لغيرهم هو إمّا على ظاهره، وكناية عن شدة الحسن المانع عن رؤية غيره أو عن إفراط المحبة، وقوله نجل العيون بضم النون جمع عين نجلاء وهي التي اتسع شقها وليس المراد السعة المفرطحة فإنها غير ممدوحة، ولذا قيل سعتها عبارة عن كثرة محانها ولا حاجة إليه. قوله :( شبههن ببيض النعام الخ ) على عادة العرب في تشبيه النساء بها وخصت ببيض النعام لصفائه، وكونه أحسن منظرا من سائره ولأنها تبيض في الفلاة وتبعد بيضها عن أن يمس، ولذا قالت العرب للنساء بيضات الخدور كما بينه الزمخشري ولأن بياضه يشوبه قليل
صفرة مع لمعان كما في الدر، وهو لون محمود جداً إذ البياض الصرف غير محمود وإنما يحمد إذا شابه قليل حمرة في الرجال وصفرة في النساء، ولذا ورد في الحلية الشريفة أبيض ليس بالأمهق، ومن الغريب قول بعض أهل العصر المراد به بيض طبخ وقشر لنعومته وطراوته لقول العامّة كأنها بيضة مقشرة، وهذا من عدم معرفة كلام العرب ولولا خوف الإطالة ذكرت الأبيات حتى صرح فيها بهذا التشبيه. قوله :( فيتحادثون على الشراب ) على للمعية أي مع شرب الشراب، وقوله كعادة الشرب بفتح الشين وسكون الراء جمع شارب كصحب وصاحب، وقوله وما بقيت الخ تبع فيه الزمخشري والذي رأيناه في كتب الأدب أنّ هذا الشعر لمحمد بن فياض من المحدّثين