ج٧ص٣٠٠
ومنها :
ماذا أؤمّل بعد آل محرق تركوا منازلهم وآل إياد
جرت الرياح على مقرّ ديارهم فكأنهم كانوا على ميعاد
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة في ظل ملك ثابت الأوتاد
وغنوا بالغين المعجمة بمعنى أقاموا، ولذا قيل للمساكن مغان وظل الملك حمايته، وقوله مأخوذ الخ إشارة إلى ما فيه من الاستعارة وظاهره أنّ ذو الأوتاد وهو البيت المطنب أي المربوط أطنابه أي حباله بأوتاده استعير للملك استعارة تصريحية، وهو أظهر مما مرّ نهايتة أنه
وصف به فرعون مبالغة لجعله عين ملكه، وكذا إذا كان بمعنى الجموع فالاستعارة تصريحية في الأوتاد أو هو مجاز مرسل للزوم الأوتاد للجند، وقوله يشد البناء ليس المراد به معناه المعروف إذ لا معنى لشدّه بالوتد بل هو من قوله بني عليه إذا ضرب خيمة، والمعذب بصيغة المفعول من يريد تعذيبه وضمير عليها للأيدي والأرجل وعلى هذا فهو حقيقة. قوله :( وأصحاب النيضة ( هي الشجر وقد مرّ، وقوله وهم قوم شعيب قيل إنه غير صحيح لأنه أجنبيّ من أصحاب الأيكة وإنما قومه أصحاب مدين كما مرّ في سورة الشعراء وسيأتي في الصف إنه لم يقل يا قوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لأنسب له فيهم، ويجاب بأنّ المراد بقومه أمّة دعوته بقرينة ما صرح به ثمة والمراد من أرسل إليهم. قوله :( يعني المتحزبين ) أي المتجمعين عليهم فتعريفه للعهد وكونه إعلاء لشأنهم على من تحزب على نبينا ﷺ على أنه من قبيل زيد الرجل بالقصر الادعائي مبالغة وجعله تعريفا جنسيا على طريق الادعاء أيضاً كما قيل فهو لا يناسب قول المصنف جعل الجند المهزوم منهم في قوله سابقا من الأحزاب مع أنه لا وجه له إذ المقام مقام تحقير لا مقام إعلاء وترفيع. قوله :) إن كل إلا كذب الخ ) إن نافية ولا عمل لها لانتقاض نفيها بإلا فكل مبتدأ محذوف الخبر والتفريغ من أعمّ العام أي ما كل أحد مخبر عنه بشيء إلا مخبر عنه بأنه كذب جميع الرسل لأن الرسل يصدق كل منهم الكل فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل أو على أنه من مقابلة الجمع بالجمع فيكون كل كذب رسوله، أو الحصر مبالغة كان سائر أوصافهم بالنظر إليه بمنزلة العدم فهم غالون فيه، وقوله على الإبهام متعلق بأسند ويحتمل تعلقه ببيان أيضاً لأنه لا تفصيل فيه، وإنما ذكر المكذب وهم الرسل. قوله :( مشتمل على أنواع من التثيدا لإعادة التكذيب والتعبير بالاسمية وحصر صفاتهم في التكذيب للمبالغة، كما مر وتنويع الجملتين إلى استثنائية وغيرها وجعل كل فرقة مكذبة للجميع في أحد التأويلين، وقوله وهو أي معنى قوله إن كل الخ، وقوله ليكون الخ تعليل لقوله مشتمل أو لقوله بيان، وقوله مقابلة الجمع بالجمع بأن يقدر مضاف لضمير الأحزاب أي كلهم وعلى ما بعده تقديره كل حزب على ما هو معناه في الإضافة لمعرفة أو نكرة، فمن قال إنّ الأوّل خلاف الظاهر، ولذا اقتصر الزمخشري على الثاني لم يصب، وتكذيب جميعهم لما مر أو لاتفاق كلمتهم في العقائد وإفراد ضمير كذب رعاية للفظ كل فلا ترجيح فيه لأحد الوجهين. قوله :( وما ينتظر ( إشارة إلى أن النظر هنا بمعنى الانتظار لا بمعنى الرؤية، وقوله قومك إشارة إلى أنّ المشار إليه بهؤلاء غير المشار إليه بأولئك، وهم كفار قريش
ودل بتقديمه على اختياره لمناسبته للإشارة بما يشار به للقريب، وليس المراد أنّ تلك الصيحة عقاب لهم لعمومها للبر والفاجر بل المراد أنه ليس بينهم وبين ما أعدلهم من العذاب إلا هي لتأخير عقوبتهم إلى الآخرة لأنه تعالى لا يعذبهم بالاستئصال ونحوه لقوله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، إذ المراد وجوده ﷺ لا مجاورته لهم كما توهم حتى يقال إنه لا يمنع وقوعه بعد الهجرة لمخالفته للتفسير المأثور، والتعبير بالانتظار مجاز بجعل محقق الوقوع كأنه أمر منتظر لهم والإشارة بهؤلاء للتحقير لهم. قوله :( أو الأحزاب ) فهو بيان لما يصيرون إليه في الآخرة من العقاب بعدما نزل بهم في الدنيا من العذاب، وجعلهم منتظرين له لأنّ ما أصابهم من عذاب الاستئصال ليس هو نتيجة ما جنوه من قبيح الأعمال إذ لا يعتد به بالنسبة إلى ما ثمة من الأهوال فهو تحذير لكفار قريش، وتخويف لمن يساق له الحديث فلا وجه لما قيل من أن هذا ليس في حيز الاحتمال أصلاً لأنّ الانتظار سواء كان حقيقة أو استهزاء إنما يتصوّر في حق من لم يتجه عمله فبعد ذكر ما حق عليهم من


الصفحة التالية
Icon