ج٧ص٣١٢
ضمير أنه للمنعم عليه وهو مفهوم من السياق، ويرتبط بالمنعم بزنة الفاعل صح فتدبر. قوله :( وفرقوا يين فعليهما الخ ) الظاهر أنّ النكتة وهي زهرة لا تحتمل الفرك أنّ الثلاثي يستعمل فيما هو الأصل في مادّته والمزيد في الطارئ عليه إذا تغاير معناهما وفصد الفرق بين معنييهما، وأصل هذه المادّة للقيد فلذا ورد فعله ثلاثياً على الأصل، وإنما سمي العطاء به لكونه يقيد المنعم عليه كما قال عليّ كرم الله وجهه من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك وهو كثير في الشعر والنثر، وكذلك في الوعد فإنّ الأخبار من شخص بما سيفعله إنما يكون تبشيراً فيما يسرّ غالباً لأن كل فطرة مجبولة على الخير في الأصل، وهو الوعد وما سواه فوارد على خلاف الأصل تمليحاً أو لأنه لا يخلو عن سرور لضدّه، وربما أشعر بهذا كلام الزمخشري، وقيل القيد ضيق فناسب تقليل حروفه والعطاء واسع فناسب تكثير حروفه، وقيل زيادة المبني تدلّ على زيادة المعنى فتقليل حروف الوعد يدلّ على أنه ينبغي تقليل زمنه وأهنأ البرّ عاجله بخلاف الإيعاد المحمود خلفه فينبغي فيه عكسه وكذا الصفد والأصفاد فإنّ من الحسن تقليل ما فيه مضرّة وتكثير غيره، واعتبر في أحدهما الزمان وفي الآخر الحدث لأنّ الوعد والوعيد من الأقوال ولا عبرة بكثرتها، وقلتها فلذا اعتبر ذلك في زمانهما ولا كذلك الآخر، وهذا تخيل لا وجه له فإنه لم يذكر من أهل العربية إنّ قلة الحروف، وكثرتها تدلّ على قصر الزمان أو طوله وإنما الذي ذكروه في الحدث مع عدم اطراده هذا ما ذكر هنا من القيل والقال، وليس فيه ما يبل الغليل، والتحقيق عندي أنّ هنا مادتين في كل منهما ضار ونافع ما قل لفظه وما كثر، وقد ورد في إحداهما الضار بلفظ قليل مقدم والنافع بلفظ كثير مؤخر، وفي الأخرى عكسه ووجهه في الأولى أنه أمر واقع لأنه وضع للقيد، ثم أطلق على العطاء لأنه يقيد صاحبه ولذا تيل للقيد والعطاء صفد، وعبر بالأقل في القيد صيغة المناسب لقلة حروفه وباكثر في العطاء لأنه من شأن الكرم، وقدم الأوّل لأنه أصل أخ! وعكس! ذلك في وعد فعبر في النافع بالأقل وقدم وأخر الضار وكثر حروفه لأنه أمر مستقبل غير واقع والخير الموعود به يحمد سرعة إنجازه وقلة مدة وقوعه بأن أهنأ البرّ عاجله وهذا يناسب قلة حروفه بخلاف الوعيد فحمد تأخيره لحسن الخلف، والعفو عنه فناسب كثرة حروفه وليس هذا لدلالته على طول زمانه وقصره كما توهم لأنه ماض، وهذا مستقبل بل بحسب المعنى الموضوع له، وهذا تحقيق في غاية الحسن وما عداه وهم فارغ فأعرفه ومما يتعجب منه ما قيل إنّ النكتة إنّ الهمزة للسلب وصفد وقيد وأصفده أزال قيد افتقاره ووعده بشره بما يسره، وأوعده أزال سروره بما يسر إلى غير ذلك مما لا طائل تحته. قوله :( أي هذا الذي أعطيناك الخ ) إذا كانت الإشارة إلى العطاء المذكور يكون الأخبار عنه بعطاؤنا غير مفيد فيجعل بغير حساب قيداً له لتتم الفائدة أو ذكره ليس للأخبار به بل ليرتب عليه ما بعده كقوله :
هذه دارهم وأنت مشوق ما بقاء الدموع في الآماق
وقوله يسلط به الظاهر عليه لكنه ضمته معنى يظفر به، وقوله أعط تفسير لأمنن لأن المن يكون بمعنى الأنعام وتعداد النعم والمراد الأوّل بدليل ما قابله. قوله :( حال الخ ( فإذا كان حالاً من الفاعل كانت الباء للملابسة ومعناه غير محاسب عليه بصيغة المفعول والمعنى غير مسؤول عنه في الآخرة أو هو مفوّض إليك أمره في الدنيا، واختار هذا المصنف، وقوله وما بينهما اعتراض على الوجهين فلا يضرّ الفصل به والاعتراض يقترن بالواو وقد يقترن بالفاء كقوله : وأعلم فعلم المرءينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا
فالفاء على هذا اعتراضية، وفي غيره جزائية كما ذكره النحاة وعلى الحالية العامل معنويّ وقوله عطاء جمّ لأنه يعبر عن الكثير بلا يعد ولا يحسب ونحوه وهذا أحد الوجهين في معناه، وقيل معناه لا يحاسب عليه في الآخرة. قوله :( وقيل الإشارة الخ ( مرضه لعدم ملاءمته لتفريع قوله فامنن الخ كما أشار إليه والمن قد يكون بمعنى الإطلاق كما في قوله :﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء ﴾ [ سورة محمد، الآية : ٤ ] وعلى هذا فقوله بغير حساب حال من الضمير المستكن في الأمر ويجوز فيه غيره من الوجوه لكن هذا أولى، وقوله وأنّ له عندنا لزلفى أي قرباً إشارة إلى أنّ ملكه