ج٧ص٣٧٣
في الأصول أن القدرة صفة تؤثر في وفق الإرادة فهي متوقفة على الإرادة، وذلك أيضاً مستلزم للعلم فإنه لا يتصوّر إرادة التأثير فيما لا يعلمه، وهو مستلزم للحياة واعتبر بذلك بقية الصفات الذاتية، والسلبية فتأمّل. قوله :( والتمكن من المجازاة والقدرة على التعذيب ( معطوف على كمال القدرة، وهو تفسير للغفار على وجه يتضمن وجه تاً خيره عن العزيز ومناسبته التامّة فإن العفو إنما يمدح به بعد القدرة فالتمكن، والقدرة من لوازمه ولذا كان قول الحماسي :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا
من أبلغ الذم وتخصيصهما بالذكر لما فيهما من الدلالة على الخوف، والرجاء المناسب لحاله وحالهم. قوله :( لا جرم ) تحقيقه كما في الكتاب وشرحه للسيرافيّ إن أصل معناه كما قاله الزجاج : لا يدخلنكم في الجرم أي الإثم كإثمه أدخله في الإثم ثم كثر استعماله حتى صار بمعنى لا بد عند الفرّاء وبمنزلة حقاً، ولذا جعلته العرب قسما وهو من جرمت الذنب بمعنى كسبته لا بمعنى حققت، وقال الأزهرقي : لا ردّ لشيء توهم ثم تبدأ بما بعده جرم إنّ لهم النار أي كسب ذلك العمل لهم الخسران، وقيل : لا صلة وقيل نافية وجرم وجرم كسقم وسقم بمعنى باطل لأنه موضوع له أو لأنه بمعنى كسب والباطل محتاج للكسب والتزيين، ولذا فسر بحقاً لأنه نقيض الباطل ولا باطل صار يمينا كلا كذب في قول النبي ﷺ :" أنا النبي لا كذب " وفيه لغات جرم وجرم وأجرم، وقد يزاد قبله إن أو ذا، ا هـ محصله فقوله : لا رد الخ أحد الأقوال فيه وجرم فعل بمعنى حق، وقوله : أي حق عدم الخ إشارة إلى أنّ الفاعل المسبوك المتصيد مته، وعدم الدعوة عبارة عن جماديتها وأنها غير مستحقة لذلك ودعوة آلهتكم مصدر مضاف لفاعله ومعناه دعوتها إياكم لعبادتها. قوله :( أو عدم دعوة مستجابة ( على ما مز لام له دعوة لنسبة الدعاء إلى الفاعل، وعلى هذا لنسبته إلى المفعول لأنهم كانوا يدعونه فحمل نفي الدعاء له على نفس الاستجابة منه لدعائهم إياه إما بحذف الموصوف أو المضاف أي استجابة دعوة أو دعوة مستجابة تنزيلا لغير المستجاب منزلة العدم، وقد جوّز فيه التحوز بالدعوة عن استجابتها التي ترتب عليها بمنزلة الجزاء لها كما في تدين تدان، وليس هذا من المشاكلة في شيء عند المحقق وان جوّزها غيره. قوله :( وقيل جرم بمعنى كسب ( أي لا رد لما قبله وجرم بمعنى ك!سب وفاعله ضمير الدعاء السابق الذي دعاه قومه إليه وإنما الخ مفعوله، والحاصل أن دعاءهم ما كسب إلا ظهور بطلان دعوته أي الدعوة إليه فدعوته مصدر مضاف لمفعوله، وهذا هو القول الثاني من أقوال النحاة فيه كما مرّ. قوله :( وقيل فعل ( بفتحتين اسم لا وهو مصدر مبنيّ على الفتح بمعنى القطع، ومعناه لا بد من بطلانه أي بطلانه أمر ظاهر مقرر وهو مثل لا بدّ فإنه من التبديد، وهو التفريق وانقطاع بعضه من بعض، وقوله : فتنقلب بالنصب في جواب النفي، وقوله : ويؤيده الخ أي إن اللغة الأخرى فيه وهي جرم بضم فسكون تدل
على اسميته، وليس هذا معينا لاسميته على اللغة الأخرى حتى يقال إنه لا وجه لحكايته بقيل لاحتمال كونه فعلا مجهولاً لاسكن للتخفيف أو أنه استعمل منه الفعل، والاسم بحسب اقتضاء مقامه وفي ثبوت هذه اللغة في فصيح كلامهم تردّد. قوله :( وإنّ مردنا إلى اللّه ( أي مرجعنا، وقوله : كالإشراك الخ الظاهر أنه لف ونشر فالإشراك إسراف في الضلالة والقتل في الطغيان أو هما تمثيل لتعميمه لظلم نفسه، وظلم غيره وظاهره شموله لغير الكفرة من العصاة فيكون قوله : ملازموها بمعنى الملازمة العرفية الشاملة للمكث الطويل فإن خص ذاك بالكفرة فهو بمعنى الخلود. قوله :( فسيذكر بعضكم بعضاً ) من التذكير، وهو الأخطار بالبال والقلب بعد ذكره باللسان، والواقع في النظم مطلق وكون الجميع يذكرونه بعيد فلذا حمله على ذكر بعضهم البعض، وهو تذكير له إذا كان قد سمعه منه أيضاً، وهو أحد محتملاته لكنه لما قرئ فيه بالتشديد على أنه من التذكير فسره بما يوافق القراءتين فلا يرد عليه إنّ هذا التفسير لتلك القراءة لا لهذه كما قيل لأنّ الذكر فيها مطلق يشمل ما لم يكن بتذكير. قوله :( فكأنه ) أي قوله، وأفوّض أمري الخ لما جعل تفويض أموره وهو تسليمها له بالتوكل عليه كناية عن عصمته لأنه من توكل عليه كفاه، وكذا كونه بصيرا بأحوال العباد


الصفحة التالية
Icon