ج٧ص٣٩٠
تأخر خلق السماء عن خلق الجبال، وهو مناقض للأوّل، وءانما قال الظاهر لأن قوله : ثم استوى إلى السماء ليس نصاً في خلقها بل صريحه قصده وإرادته بأمرها أن تأتي طائعة منقادة لأمره، وأما كون بعد متعلقة بمقدر كتذكر أمر الأرض بعد ذلك أو البعدية رتيبة فخلاف الظاهر عنده، وهو مشترك الإلزام لأن ثم كذلك إلا أن يقال : لفظ بعد أبعد من التأويل، وليس هذا مخالفاً لما مز في النحل في تفسير قوله تعالى :﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ [ سورة النحل، الآية : ١٥ ] الخ كما
قيل لأنّ المراد خلقها كهيئة فهو صغير كما ورد في الحديث فيكون خلق الجبال بعده ولو سلم فهو مبني على قول آخر ومثله كثير.
قوله :( أمر ظلماني ) نسبة إلى الظلمة على خلاف القياس كما قيل نورانيّ، وإنما أوّله بما
ذكر لأنّ الدخان الكائن من النار التي هي إحدى العناصر لم يكن موجوداً إذ ذاك أو هو غير مراد كما لا يخفى. قوله :( ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء ) المراد بالمادّة معناها المشهور، وهي ما تركبت منه بقطع النظر عن كونها جواهر فردة أو هيولى، وقيل : المراد بهذا الهيولى وبالأجزاء المصغرة الأجزاء التي لا تتجزأ على ما بين في الحكمة وفي نسخة المتصغرة وما وقع في بعضها المتصعدة بالدال من تحريف الكتاب. قوله :) بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر ( وفي نسخة لما باللام وهما بمعنى لأنّ الباء سببية فهي قريبة من معنى اللام التعليلية ويجوز كونها للملابسة، أو التعدية ولا وجه لما قيل إنه على الأخير يلزم حذف ما هو كبعض حروف الكلمة لأنه إنما يصح لو لم يجر حذف صلة ما والضمير للأرضى والسماء والمعنى ليس على إتيان فاتهما، وايجادهما بل إتيان ما فيهما مما ذكر بمعنى إظهاره والأمر للتسخير لكنه قيل إنه على هذا الوجه يكون المترتب في قوله : فقضاهن الخ جعلها سبعا أو مضمون مجموع الجمل المذكورة بعد الفاء، دىالا فالأمر بالإتيان بهذا المعنى مترتب على خلقهما وعلى هذا يجوز حمل، ثم على التراخي الزماني ولا يلزم كون دحو الأرض مقدما على دحو السماء، وان لزم خلق الشمس قبل الدحو لقوله : أغطش الخ فلا تنافي بين الآيتين كما قيل، ولا يخفى أنه على تسليمه مخالف لما قدمه المصنف رحمه الله وارتضاه في ثم وتفسيره للدخان فكان ينبغي تأخيره فتدبر. قوله :( من التأثير الخ ) بيان لما وهو لف ونشر مرتب فالتأثير للعلويات، وهو بناء على الظاهر من عد الأسباب مؤثرة أو مجاز المؤثر الحقيقي هو الله والتاً ثير للسفليات ويجوز تعميمه لهما والأوضاع للسموات والنجوم، فهو وما بعده على اللف والنشر أيضاً. قوله :) أو ائتيا في الوجود الخ ( كالخلق في خلق الأرض وجعل فيها رواسي لأنه بمعنى خلق أيضا أو بمعنى تعيين مقاديرها لا إيجادهاويجوز على هذا إبقاء، ثم على ظاهرها وهذا كله لما تقتضيه الفاء من التعقيب ولذا قال : والترتيب للرتبة فهو في الوجهين السابقين على حقيقته لأن المراد إذا كان خلق ما فيهما أو تقديرهما فالترتيب على ظاهره، فإذا كان بمعناه العروف كانت الفاء مجازا عن الترتيب في الرتبة أو الإخبار إلا أن يعتبر فيما يدل عليه التمثيل والمرتب عليه هنا أعلى من المرتب والمشهور عكسه كما موّ تحقيقه، أو قد يقال : هذا هو المقصود الأصلي من خلقهما
فهو أعلى رتبة. قوله :( أو إتيان السماء حدوثها الخ ( ففيه جمع بين معنيين مجازيين وهو جائز أيضاً عند المصنف رحمه الله فتشبيه البروز من العدم بمن أتى من مكان آخر وبسط الأرض، وتمهيدها بذلك أيضا وهو بالنصب كالترتيب معطوف على اسم إن وهو الحق، وقوله : وقد عرفت ما فيه، وهو لزوم كون الدحو مقدما على خلق الجبال كما قيل وهو ممنوع لأن ثم لتفاوت ما بين الخلقين كما قرره، وغاية ما لزم من الفاء كون الدحو متأخرا عن الاستواء ولا يلزم منه كونه متأخراً عن خلق الجبال على أنه يجوز كون الفاء للتفصيل لا للترتيب فتأمل. قوله :( أو ليأت كل منكما ( معطوف على قوله ائتيا في الوجود والمراد بإتيان إحداهما للأخرى توافقهما في ظهور ما أريد منهما كما صرّج به المصنف رحمه الله على الاستعارة، والمجاز المرسل باستعماله في لازمه لأنّ المتوافقين يأتي كل منهما صاحبه كما في الكشف، وقال ابن جني هي المتنازعة : وقال في الكشف هو أحسن والمؤاتاة المفاعلة يقال : آتيته إذا وافقته وطاوعته قال في المصباج يقال آتيته على الأمر بمعنى وافقته وفي لغة لأهل اليمن تبدل الهمزة واواً فيقال وأتيت على لأمر مواتاة وهي المشهورة على ألسنة الناس، اهـ ولذا وقع في نسخة هنا وأتيا فلعله قرئ به في الشواذ فالقول بأنّ الصحيح آتيا لأنّ الكلمة مهموزة الفاء ليس