ج٨ص٢
الليلة يأمر الله الملائكة بما يكون في ذلك العام فيكتب من اللوح المحفوظ فتدفع نسخة الأرزاق لميكائيل والحروب لجبرائيل، والآجال لعزرائيل، وهكذا، وظاهر كلامهم هنا أنّ البراءة، وهي مصدر بريء براءة إذا تخلص تطلق على صك الأعمال، والديون وما ضاهاها، وأنه ورد في الآثار ذلك، وإن كان مجازاً مشهورا صار به كالمشترك، وفي المغرب بريء من الدين والعيب براءة، ومنه البراءة لخط الأبراء، والجمع برا آت، وبروآت عامية اهـ، وكثر أهل اللغة على أنه لم يسمع من العرب، وأنه عامي صرف، وإن كان باب المجاز واسعاً قال ابن السيد في المقتضب : البراءة في الأصل مصدر برىء برأءة، وأمّا البراءة المستعملة في صناعة الكتاب فتسميتها بذلك إمّا على أنها من برىء من دينه إذا أدّاه، وبرئت من الأمر إذا تخليث عنه فكان المطلوب منه أمراً تبرأ إلى الطالب أو تخلى له، وقيل : أصله أنّ الجاني كان إذا جنى، وعفا عنه الملك كتب له كتاب أمان مما خافه فكان يقال كتب السلطان لفلان براءة ثم عمّ ذلك فيما كتب من أولي الأمر وأمثالهم اهـ. واعلم أنه قال في الكشاف : إنّ بين ليلة النصف، وليلة القدر أربعين ليلة يعني أنها تكون في السابعة والعشرين من رمضان كما هو المشهور فقول السعد في شرحه تكون في الخامسة أو السادسة والعشرين من رمضان فيه نظر لا يخفى. قوله :( ابتدئ فيها إنزاله الخ ) جواب سؤال مقدر، وهو أنّ القرآن نزل منجما في قريب من ثلاث، وعشرين سنة فكيف قيل إنه أنزل في هذه الليلة على الوجهين فإمّا أن يؤوّل أنزلنا بابتدأنا إنزاله على التجوّز في الطرف أو النسبة أو المراد إنزاله إلى سماء الدنيا كما مرّ تحريره، وفي الوجه الأوّل ما لا يخفى فإنّ ابتداء السنة سواء كان المحرّم أو ربيعا الأول لأنه ولد فيه ع!ر ومنه اعتبر التاريخ في حياته ﷺ إلى خلافة عمر، وهو الأصح، وقد كان الوحي إليه على رأس الأربعين سنة من مدة عمره ﷺ فكيف يكون ابتداء الإنزال في ليلة القدر من رمضان فحرّره. قوله :( وبركتها لذلك ) أي لابتداء نزول الوحي فيها أو لنزوله جملة فيها إلى سماء الدنيا، وفي جعل البركة لما ذكر إشارة إلى ما قاله ابن عبد السلام أنّ الأمكنة، والأزمنة كلها متساوية في حد ذاتها لا يفضل بعضها بعضا إلا بما يقع فيها من الأعمال ونحوها، وذكره الأعمال بناء على غالب الأحوال، والا فتفضيل القبر المكرّم، والبقعة التي ضمته ﷺ ليس لعمل فيها، وقال غيره : لا يبعد أن يخص إلله بعضها بمزيد تشريف حتى يصير ذلك داعيا إلى إقدام المكلف على الأعمال فيها فاحفظه، وقوله : وقسم النعمة بفتح القاف، وسكون السين مصدر قسم والمراد به تقدير الأرزاق السابق ذكره، وفصل الأقضية تعيين غير الأرزاق كالآجال كما مرّ. قوله :( استئناف يبين المقتضي للأنزال ) يشير إلى أنه استئناف بيانيّ في جواب سؤال مقدّر تقديره لم
أنزل ونحوه وما بعده لبيان كونها مباركة فهما جملتان مستأنفتان على طريق اللف، والنشر فكأنه قيل : أنزلناه لأنّ من شأننا الإنذار، والتحذير من العقاب، وكان إنزاله في تلك الليلة لأنه من الأمور الدالة على الحكم البالغة، وهي ليلة يبين فيها كل أمر حكيم كما بينه الزمخشري فما قيل
. إنه ليس من اللف، والنشر في شيء لا وجه له وكأنهم اشترطوا في اللف، والنشر كون كل " منهما جملتين مستقلتين، ولا داعي لاشتراطه، ولم يلتفت إلى جعل هذه الجملة جواب القسم كما مرّ، وقيل إنهما جوابان، وفيه تعدد المقسم عليه من غير عطف، ولم يتعرّضوا له. قوله :
( وكذلك قوله فيها يفرق الخ ) أي هو استئناف لبيان مقتضى إنزاله، وهو مخالف لما في الكشاف من جعله بيانا لكون الليلة مباركة كما مرّ فكأنه ذهب إلى أنه ليس من اللف، والنشر،
ا ومعنى يفرق يفصل ويقضي، وقوله : مفرق بفتح الميم اسم زمان الفرق، والفصل، وقوله :" الأمور المحكمة إشارة إلى أنّ الحكيم بمعنى المحكم لأنه لا يبدل، ولا يغير بعد إبرازه للملائكة بخلافه قبله، وهو في اللوح فإن الله ﴿ يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ ﴾ ويجوز كونه بمعنى المحكوم به، وقوله : الملتبسة بالحكمة تفسير آخر لحكيم، وفي ذلك الالتباس إشارة إلى أنه ليس على ظاهره، وأن فيه تجوّزا في النسبة، والمراد الحكيم صاحبه، ويجوز أن تكون للنسبة، وكلامه أميل إلى الأوّل. قوله :( ويجوز الخ ) وفائدته بيان الا-خضاء أو البركة أيضاً، وقوله :
ا وهو أي وصف الليلة بقوله يفرق الح. يدل على ما ذهب إليه أثثر المفسرين هنا من أنّ المراد بالليلة هنا