ج٨ص١٠٥
الله عليك كما تقول ما أنا معسر بحمد الله، واغنائه وما ذكره المصنف أقرب إلى الوجه الأخير لكن الأنعام مأخوذ من نعمة ربك لأنّ المقصود نعمته عليك، وهي تفيد الأنعام، وذكر أنعام الله عليه مع اعترافه به هو عين الحمد فلذلك أدرجه فيه، وأتى به على منوال المتعارف في قولهم ما أنا بحمد الله، واحسانه كذا، وأمّا احتمال القسم فبعيد عن مساقه، وإن قيل به في النظم، وأبعد منه ما قيل من أنّ النعمة مجاز عن الحمد بعلاقة السببية فانه تعسف، وتكلف ظاهر. قوله :( كما يقولون ) إشارة إلى أنه للردّ عليهم، وابطال مقالهم فيه والا فلا امتنان عليه بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس، وقوله : ما يقلق النفوس من حوادث الدهر قال المرزوقي رحمه الله تعالى في شرح قول الهذلي :
أمن المنون وريبه تتوجع
المنون قد يراد به الدهر فإذا أريد به ذلك فالرواية وريبه لأنه مذكر، وهو فعول من المن بمعنى القطع، ومه حبل منين أي مقطوع وقد يراد به المنية فيؤنث، وقد روي ريبها، وقد يرجع
له ضمير الجمع كقول عدي :
من رأيت المنون عززن أم من ذا عليه من المنون خفير
. فقال : عززن لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها حكي عن أبي عبيدة راب عليه الدهر أي نزل، ويكون مصدر رابني الشيء، والمراد به حدثان الدهر، وصروفه ويقال : رابني، وأرابني اهـ فقوله : ما يقلق على أنه مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر لأنها مقلقة فعبر عنها بالمصدر مبالغة فالمنون بمعنى الدهر، وريبه صروفه وقوله، وقيل : المنون الخ. يعني المراد به هاهنا الموت، وإلا فهو مشترك بينهما كما عرفت، ومرضه لأنّ الريب لا يلائمه ظاهراً على ما فسره به، ولذا فسره المرزوقي بنزول المنية فلا غبار عليه، وقوله في الكشف : إنه أنثه إذ أراد المنية ليطابق قوله شعوب أو على تأوبله بالمنية وبيت أبي ذؤيب :
أمن المنون وريبه تتوجع
وظاهره أنه الدهر اهـ لا يخفى أنه غفلة عما نقلناه لك. قوله :( فعول من منه الخ ) أي
على المعنيين لأنّ الدهر يقطع الأعمار، وغيرها والموت قاطع الأماني، واللذات، ولذا قيل المنية تقطع الأمنية، وقوله : قل تربصوا تهكم بهم، وتهديد بهم. قوله :( بهذا التناقض الخ ) يعني أنّ وصفهم له بالكهانة، والشعر المقتضيين للعقل التام والفطنة الوقادة مع قولهم إنه مجنون تناقض أعرب عن أنهم لتحيرهم، وعصبيتهم وقعوا في حيص بيص حتى اضطربت عقولهم، وتناقضت أقوالهم، وكذبوا أنفسهم من حيث لا يشعرون وقوله : مغطى عقله لأنه يغلبه خلط سوداوي يمنع الإدراك فكأنه غطاه، وقوله : مخبل إشارة إلى الشعر المنطقي والتخيل بغلب في الشعر العرفي أيضاً ولذا قيل أعذبه أكذبه. قوله :( مجاز عن أدائها إليه ) قال الشارح الطيبيّ هو كقوله ة ﴿ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ ﴾ [ سورة هود، الآية : ٨٧ ] الآية جعلت آمرة على الاستعارة المكنية فتشبه العقول بسلطان مطاع تشبيها مضمرا في النف! ويثبت له الأمر على طريق التخ!ل قيل، وهو وجه آخر غير ما ذكره الشيخان فإنهما أرادا أنّ الأمر مجاز عن التأدية إلى الشيء بعلاقة السببية، وهو وجه آخر صحيح في نفسه، وليس كما قال فانّ الزمخشريّ قال : هو مجاز لأدائها إلى ذلك فقال الشراح : اللام للتعليل أي إسناد الأمر إلى الأحلام مجاز والمجوز أنّ أحلامهم مؤدية إلى ذلك كالأمر، وهو ظاهر في الاستعارة، وقد صرّح فيما نظرها به بذلك فتدبر. قوله :( اختلقه ) بالقاف أي افتراه، واخترعه بطريق الكذب من عند نفسه، وضمير
المفعول القرآن، وقوله : وعنادهم أي مع علمهم بأنه لا ريب فيه، ولا فيما جاء به، وأما علمهم بتناقضهم كما قيل فليس في الكلام ما يدل عليه، وقوله : كثير ممن تحدوا أي وقع معهم التحدي، والأمر بالمعارضة فلم عجزوا عنها، وهو مبنيّ للمجهول والجار والمجرور صفة فصحاء قدم عليها فانتصب على الحال وفصحاء صفة كثير وفي نسخة المحشي ممن عدوا بالعين المهملة فعل معلوم أو مجهول من العدد، والمراد بالمعدودين الشاعر، والكاهن، والمجنون الذين شوهد من حالهم ما يقتضي خلاف مدّعاهم، والظاهر أنّ النسخة الأولى أصح، وأنسب فتأمّل. فوله :( فهو رد للأقوال المذكورة ) في حق النبيّ ﷺ والقرآن بالتحدي فإذا اتحدوا وعجزوا علم ردّ ما قالوه وصحة المدعي، وقوله : ويجوز الخ فإذا فسد مدعاهم في التقول علم غيره بطريق اللزوم مع ما مرّ من ظهور فساده، وتناقضه وكون الكهانة المنسوبة إليه أظهر فسادا من التقول لأنها لم تعهد منه، وقد نشأ بين