ج٨ص١٠٦
أظهرهم، ولم يظهر شيئا من أمور الكهان إلى الآن فكونه صاو كاهناً أو مدعياً للكهانة هدّا أمر مستغرب جدا بخلاف الكذب فإنه مما تجوّزه العقول القاصرة فما قيل من أنه غير ظاهر وأنّ الأظهر أن يقال إنّ القول بالتقوّل أظهر بطلاناً ليس بشيء يلتفت إليه. قوله :( أم أحدثوا وقدّروا الخ ) هذا إمّا من الجمع بين معنيي المشترك أو بين الحقيقة، والمجاز لأنه تفسير للخلق، وهو يكون بمعنى الأحداث، والتقدير كما مرّ مرارا وهو جائز عند المصنف، وهذا ليس محل الاختلاف لإرادة أحدهما، وهو الأحداث بالأصالة، والآخر بطريق اللزوم، والتبعية فيكون كدلالة الشمس على الجرم، والضوء ومن على هذا ابتدائية، ثم إنّ الإضرابات الواقعة للترقي في تجهيلهم، وتسفيه أحلامهم فلذا قال المصنف : أم أحدثوا الخ فنسب إليهم ما لا يجوز أن يكون لأنّ تعلق الخلق بالخالق من الضروريات فإذا أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بدون خالق فليس المراد أم حدثوا لكنه عبر بأحدثوا لمشاكلة النظم بل للإشارة إلى أنّ الحدوث من غير محدث في الاستحالة بمنزلة الخلق من غير خالق، وهذا هو المراد، والمشاكلة المذكورة ليست بشيء يعتد به هنا فتأمّل. قوله :( أو من أجل لا شيء من عبادة ومجازاة ) إشارة إلى تفسير آخر مبنيّ على أن من للتعليل، والسببية على معنى أم خلقوا من غير علة، ولا لغاية ثواب وعقاب، وفي تعبيره بما ذكر شيء، وقوله : يؤيد الأوّل أي تفسيره الأوّل لقوله :﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾ فأحدثوا، وقدروا بلا محدث ومقدر لأنهم إذا خلقوا من غير خالق فقد خلقوا أنفسهم، ولو كان معناه لم يخلفوا للجزاء لم تتم المقابلة لأنّ مقتضاه أن يقال لم يخلقوا للجزاء أم خلقوا له ويجازون بالثواب لا
بالعقاب مثلاً، وقوله : ولذلك أي لكون معناه أم خلقوا أنفسهم ذكر بعده نسبة خلق الأرض، والسماء إليهم لأنّ من يخلق نفسه يقدر على خلق غيره، ولأنه لو لم يكن معناه ما ذكر بل على العموم لعدم ذكر مفعوله لم يصح مقابلته لما بعده، ولم يقع الإضراب في موقعه. قوله :( وأم في هذه الآيات منقطعة ) فتقدر ببل، والهمزة على ما هو المعروف فلذا قال، ومعنى الهمزة فيها لأنها تتضمنها إذ معناها بل أكان كذا وكونها منقطعة اختاره أبو البقاء، وكثير من المفسرين، ونقل عن الخليل أنها متصلة، والمراد بها الاستفهام كذا قال المعرب، وغيره وإذا كانت منقطعة فالإضرابات فيها واقعة على سبيل الترقي وتحقيقها على وجه أنيق بينه في الكشف جزاه الله خيراً بما لا مزيد عليه فمن أراد فهم النظم وما فيه من المعاني فلينظره. قوله :( إذا سثلوا من خلقكا الخ ) يعني أنهم، وإن أسندوا خلق السموات، والأرض وخلق أنفسهم إلى الله إذا سئلوا عن الخالق لم يقولوه عن جزم، ويقين إذ لو كان كذلك عبدوه إذ من عرف خالقه امتثل أمره وانقأد له، وقوله : إذ لو أيقنوا الخ. بيان لأنّ إيقانهم جعل كلا إيقان، وهو تعليل لمقدر إذ التقدير قالوا : الله من غير تيقن أو ولا إيقان لهم فليس حق التعبير حينئذ فقالوا : الله كما قيل. قوله :( خزاءلن رزقه ) قيل إنه إشارة إلى تقدير المضاف في الوجهين، والظاهر أنه بيان للمعنى المراد على أنه على طريق التمثيل، وأنّ المراد أنّ التصمرف في الكائنات بأيديهم أو إحاطة عملهم بما في العالم حتى يختاروا للنبوّة من أرادوه ويرضوا لها من ارتضوه. قوله :( الفالبون على الأشياء ) معنى سيطر قهر، وغلب من سيطر عليه إذا راقبه لو ليس مصغراً كما يتوهم، ولم يأت على هذه الزنة إلا خمسة ألفاظ أربعة من الصفات مهيمن، ومبيقر ومسيطر، ومبيطر وواحد من الأسماء وهو مخيمر اسم جبل ووقع في شعر امرئ القيس، وقوله : صاعدين فيه يعني أنّ الظرفية على حقيقتها، وليست في بمعنى على كما في قوله :﴿ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [ سورة طه، الآية : ٧١ ] كما قيل والجار والمجرور متعلقه خاص وهو حال أي صاعدين فيه، وقيل إنه يشير إلى أنه مضمن معنى الصعود، ولا حاجة إليه وقوله إلى كلام الملائكة إشارة إلى تقدير متعلقه، وأنه يتعدى بأل كما يتعدى بنفسه لا بفي، ولو جعل منزلاً منزلة اللازم أي يقع منهم الإسماع جاز، وتوله : حتى يعلموا الخ إشارة إلى أنّ ما ذكر كناية عن علم
الكائنات، وقوله : بحجة تفسير لسلطان، وواضحة لمبين على أنه من أبان اللازم، وقوله : تصدق الخ لأنه المراد من الإتيان بها. قوله :) فيه تسفيه لهم الخ ) يعني أنّ هذا هو المقصود منه فالمعنى بل هم سفهاء لصدور مثله عنهم، وقوله : يترقى بروحه الخ إشارة إلى ما للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الاتصال الروحاني الذي سماه الحكماء انسلاخا