ج٨ص١٦١
﴿ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ﴾ ( إن كان مرجع الضمير الرسل بمعنى الملائكة فلا إشكال فيه إلا أنه كان ينبغي الاقتصار عليه كما في الكشاف إذ على الثاني يحتاج إلى تأويل بتقدير متعلق لقوله معهم أو جعله حالاً من الكتاب، والحال حينئذ مقدرة أو لاتصاله
به جعلت مقارنة تسمحاً، ولا يخلو من تكلف فما في الكشاف أولى، وقوله : ليبين الخ قيل إنه إشارة إلى جمعه لتكميل القوتين النظرية، والعملية، والظاهر أنه لبيان المناسبة بينه، وبين الميزان المحسنة لعطفه عليه كما أشار إليه بقوله : لتسوي به الحقوق، وقوله : يقام به العدل تفسير لقوله :﴿ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ وفيه إشارة إلى أنّ الباء للتعدية فلا حاجة لأخذها من خارج الكلام. قوله :( وإنزاله إنزال أسبابه ) ولو بعيدة وهو جواب عن أنّ الميزان لم ينزل من السماء بأنّ أسبابه كالمطرقة، ونحوها على قول منها أو المطر المنبت للكتان والقطن، والخشب الذي هو مادته، وأمر الناس باتخاذه مع تعليم كيفيته منها وهذا على تسليم أنه لم ينزل حقيقة، وقوله : وقيل الخ منع له مع سنده وقوله : يراد به العدل الخ جواب آخر، وهو أنه مجاز عن العدل، ونزوله من السماء نزول الكتاب المتضمن له، والوحي الآمر به، والباء حينثذ للتعدية أيضاً، ويجوز أن تكون للسببية، وهو المناسب لقوله : ليقام به الخ فتأمّلى. قوله :( ويدفع به الأعداء ) أي يدفع الحكام بالعدل عن الناس أعداءهم لإنصافهم منهم، وأخذ حقوقهم واقامة الحدود عليهم، وما قيل في تفسيره إنّ الظلم يفضي إلى هجوم الأعداء، ولذا قيل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم بعيد في نفسه. قوله :( كما قال وأنزلنا الحديد الخ ) إشارة إلى دفع ما يتوهم من أنّ الجمل المتعاطفة لا بد فيها من المناسبة، وانزال الكتاب لا يناسب إنزال الحديد فكان الظاهر ترك عطفه بأنّ بينهما مناسبة تامّة لأن المقصود ذكر ما يتمّ به انتظام أمور العالم في الدنيا حتى ينالوا السعادة في الأخرى، ومن هداه الله من الخواص العقلاء ينتظم حاله في الدارين بالكتب، والشرائع المطهرة، ومن أطاعهم وقلدهم من العامة بإجراء قوانين الشرائع العادلة بينهم، ومن تمرّد وطغى وقسا يضرب بالحديد الرادّ لكل مريد، والى الأوّلين أشار بقوله : أنزلنا الكتاب، والميزان فجمعهم، وأتباعهم في جملة واحدة، والى الثالث أشار بقوله :﴿ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ﴾ فكأنه قال أنزلنا ما يهتدي به الخواص، وما يهتدي به أتباعهم، وما يهتدي به من لم يتبعهم فهي حينئذ معطوفة لا معترضة لتقوية الكلام كما توهم إذ لا داعي له وليس في الكلام ما يقتضيه بل فيه ما ينافيه قال العتبي في أوّل تاريخه : كان يختلج في صدري أنّ في الجمع بين الكتاب، والميزان، والحديد تنافراً وسألت عنه فلم أحصل على ما يزيح العلة وبنقع الغلة حتى أعملت التفكر فوجدت الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية يتضمن جوامع الأحكام، والحدود قد حظر فيه التعادي، والتظالم ودفع التباغي، والتخاصم وأمر بالتناصف، والتعادل، ولم يكن يتم إلا بهذه الآية فلذا جمع الكتاب، والميزان وأنما تحفظه العامة على اتباعها بالسيف، وجذوة عقابه، وعذب عذابه، وهو الحديد الذي وصفه اللّه بالبأس الشديد فجمع بالقول الوجيز معاني كثيرة الشعوب متدانية الجنوب محكمة المطالع مقوّمة
المبادي، والمقاطع اهـ وأنما نقلناه على ما فيه من الطول لأنه أحسن ما فيه من الفصول. قوله :( فإن آلات الحروب الخ ) إشارة إلى أنّ السياسة العامة متوقفة عليه فلذا عطف على ما قبله مما يتضمن العدل، والسياسة، وقوله : باستعمال الأسلحة متعلق بينصره لبيان ارتباطه بما قبله، وقوله : والعطف أي في قوله وليعلم الخ، وقوله : فإنه حال الخ توجيه لدلالة ما قبله، وهو قوله : فيه بأس شديد، ومنافع فإنها جملة حالية محصلها لينتفعوا به، وشمتعملوه في الجهاد وليعلم الله الخ، وحذف المعطوف عليه إيماء إلى أنه مقدّمة لما ذكر، وهو المقصود سنه، والجملة الحالية ظرفية على أنّ المرفوع فاعل لقوله : فيه لاعتماده على ذي الحال لا اسمية لئلا ينافي ما مرّ مرارا من أنها لا بد فيها من الواو، وقد مرّ ما فيه في سورة الأعراف فتذكره، وقوله : أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الخ، والجملة معطوفة على ما قبلها فحذف المعطوف، وأقيم متعلقه مقامه وقد وقع في بعض النسخ معطوفاً بالواو أو أصح كما لا يخفى وقيل : قوله وليعلم معطوف على قوله :﴿ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ وهو قريب بحسب اللفظ بعيد بحسب المعنى. قوله :( حال من المستكن ) أو من البارز كما مرّ تحقيقه في البقرة، وقوله : بأن استنبأناهم