ج٨ص٢٢٠
والأصل سحقا لهم ولسائر أصحاب السعير فغلب الأكثر على الأقل ورد بأنّ فسقة المؤمنين لا يطلق عليهم أصحاب السعير لإفادته التأبيد والخلود في عرف القرآن، وأيضا لا تجوز فيه حينئذ والتغليب كله مجاز وأيضا المؤمنون لا يستحقون الدعاء بالإبعاد عن الرحمة إلا أن يرأد بالتغليب تعميم الحكم بالجمع في لفظ واحد وبالجملة فإنّ هذا من مشكلات هذا الكتاب، وقد أكثر علماء الروم الكلام فيه وحكم بعضهم بعدم صحة نسخة التغليب، وقال الصحيح التغيير بالرإء يعني أنّ الأصل ذكر الفعل والضمير فغير الأسلوب وحذف الفعل للإيجاز وهو ظاهر وللمبالغة لذكر المستحق مبهمآ من غير بيان من هو، وما يستحقه وجاء بقوله : لأصحاب السعير بياناً له ولو ذكر هذا الفعل فات هذا المعنى وعدل عن الضمير للتعليل فإنّ علة اللعن كونهم من أصحاب السجر باختيارهم الكفر، والتكذيب لاعترافهم بذنوبهم، وقيل على ما ذكره في هذا القيل أصحاب السعير الكفرة لأنهم الأكثر المغلبون كما صرح به القائل فتأتي كونهم أصحابا باعتبار اكثر ولا يلزم منه خلود الفسقة إلا أنه يرد عليه أنه لا تجوّز فيه أيضاً، وليس بشيء لأنه مجاز بحسب المعنى العرفي، وهو كاف لصحته وأيضا قيل : إنّ مثله من التغليب ينسب فيه ما للأكثر مما يختص به لغيره كما في قوله :﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [ سورة الأعراف، الآية : ٨٨ ] وهو لا يتيسر هنا لأنّ الوصف المذكور للعصاة أيضاً ولا يخفى فساده لأنه للتأكيد فكيف يكون لهم، وما أورده غير وارد لأنه إذا كان
من التغليب لا يكون أصحاب السعير وصفاً للفسقة حقيقة فيكون مجازا ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلط، وقيل : في توجيهه إنهم لما جعلوا الشياطين في صحبة السعير أصلا وأنفسهم دخيلا واقتضى ذكر الأشقياء بأسرهم تعميم دعاء اللعن لجميعهم كان الظاهر أن يقال : سحقا لهم أي للقائلين بل الخ، ولأصحاب السعير الذين هم الشياطين فقط على زعمهم إلا أنه غلب الثاني فعبر عن جملتهم بأصحاب السعير تجوّزا على زعمهم لفوائد الإيجاز، وهو ظاهر والمبالغية في إبعاد الأوّلين إذ لو أفرد بالذكر أمكن أن يكون إبعادهم دون الشياطين فلما سوّى بينهم في العبارة دل على أنّ إبعادهم ليس أدون من إبعادهم، والتعليل لما مرّ وحصول الكل منها بدون التغليب لا ينافي جعل الكل فائدة ولم سلم حصول الكل بدونه فالمقصود بيان فوائد التغليب ولا حاجة في ص!حته لنكتة، وقيل : سياق الكلام يقتضي أن يقال فسحقا لهم ولغيرهم من أصحاب السعير لأنّ ترتب ا السحق إنما كان على المعترفين بذنبهم وهم من جملة أصحاب السعير فترتيب السحق على جميع أصحاب السعير تغليبا من إسناد حكم البكض للكل كما في لتعودنّ في ملتنا والتغليب كما يكون مجازاً لغويا يكون عقلياً كما هنا، أمّا الإيجاز فظاهر لأنه أوجز من لهم ولغيرهم من أصحاب السعير فإن مساقه وإن لم يقتض إسناد السحق للمعترفين بذنبهم فقط لكن مقفحى البلاغة التعميم لمن عداهم أيضا فإذن إسناد السحق إلى الجميع بعبارة أوجز مما ذكروه، وكذا المبالغة إذ إسناد السحق إلى الجملة في مقام الإسناد إلى البعض فيه مبالغة ظاهرة والتعليل لأنه يعلم أنّ استحقاقهم السحق لكونهم من أصحاب السعير، وقيل : التغليب هنا غير المصطلح لأنّ المراد به هنا تعميم الحكم وهو سخيف لوجود التعميم بدون هذه الأمور إلا أن يراد التعميم بطريق مخصوص، وبقيت هنا كلط ت لا طائل تحتها تركناها خوف الملل.
قوله :( يخافون عذابه الخ ( هو بيان لحاصل المعنى أو إشارة لتقدير المضاف أو للتجوّز
في الن!سبة، وقوله : غائبا يعني أن قوله : بالغيب ظرف مستقرّ حال من المفعول المذكور أو المحذوف أو الفاعل والغيب بمعنى الغائب وقيل : بمعنى الغيبة والخفاء، وتفسيره بغائبا لتوضيح الحال لا لأنّ الغيب بمعنى الغائب ولا وجه له أو هو صلة يخشون والغيب بمعنى الغائب أيضا أو هو تسمية بالمصدر أو مخفف غيب كلين والباء للاستعانة وأل موصولة أو معرفة والغيبة عن عذابه ظاهرة وعن أعين الناس بمعنى عدم الرياء، ولو أبقى على ظاهره صح ومعنى غيبته عنهم كونه لا يدركه الحس ولا تقتضيه بديهة العقل كما مرّ في البقرة مثله فتدبر. قوله : الذنويهم ) بيان لمتعلق المغفرة لا لتقديره مضاف في لهم لأنّ عطف قوله : وأجر كريم ياباه، وقوله : تصغر دونه لذائذ الدنيا لأنّ كبر الآخرة بالنسبة لما يقابلها وهو أجر الدنيا وجملة :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ ﴾ الخ مستأنفة في جواب سؤال مقدر نشأ من ذكر الكفرة وهو إما حال من أحسن عملاً، وقوله :﴿ وَأَسِرُّوا ﴾ الخ معطوف على مقدر تقديره فاتقوه


الصفحة التالية
Icon